للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِثْبَاتُ الدَّيْنِ فِي ذَمِّهِ الْمُفْلِسِ فَأَشْبَهَ الزَّوَالَ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَكَذَا الثَّانِي لِأَنَّهُ إعْتَاقٌ عَلَى مَالٍ فِي الْحَقِيقَةِ. وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّهُ تَنْقِيصٌ لِلْعَبْدِ وَتَعْيِيبٌ لَهُ وَشَغْلُ رَقَبَتِهِ بِالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ، بِخِلَافِ تَزْوِيجِ الْأَمَةِ لِأَنَّهُ اكْتِسَابٌ لِاسْتِفَادَتِهِ الْمَهْرَ عَلَى مَا مَرَّ.

قَالَ (وَكَذَلِكَ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ فِي رَقِيقِ الصَّغِيرِ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ) لِأَنَّهُمَا يَمْلِكَانِ الِاكْتِسَابَ كَالْمُكَاتَبِ، وَلِأَنَّ فِي تَزْوِيجِ الْأَمَةِ وَالْكِتَابَةِ نَظَرًا لَهُ، وَلَا نَظَرَ فِيمَا سِوَاهُمَا وَالْوِلَايَةُ نَظَرِيَّةٌ. قَالَ (فَأَمَّا الْمَأْذُونُ لَهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ أَمَتَهُ)

قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي حِلِّ هَذَا الْمَحَلِّ: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُكَاتَبَ إنَّمَا يَمْلِكُ مَا كَانَ مِنْ التِّجَارَةِ أَوْ مِنْ ضَرُورَاتِهَا، وَإِعْتَاقُ الْعَبْدِ عَلَى مَالٍ وَغَيْرِهِ مِمَّا ذُكِرَ هَاهُنَا لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَمْلِكُهُ اهـ.

أَقُولُ: قَدْ أَخَلَّ الشَّارِحُ الْمَذْكُورُ بِحَقِّ الْمَقَامِ فِي تَقْرِيرِ الْكَلَامِ حَيْثُ قَالَ: إنَّ الْمُكَاتَبَ إنَّمَا يَمْلِكُ مَا كَانَ مِنْ التِّجَارَةِ أَوْ مِنْ ضَرُورَاتِهَا مَعَ أَنَّهُ يَمْلِكُ أَيْضًا مَا كَانَ مِنْ الِاكْتِسَابِ دُونَ التِّجَارَةِ وَضَرُورَاتِهَا كَتَزْوِيجِ أَمَتِهِ وَكِتَابَةِ عَبْدِهِ عَلَى مَا مَرَّ فَإِنَّ الِاكْتِسَابَ أَعَمُّ مِنْ التِّجَارَةِ كَمَا سَيَجِيءُ. فَالْحَقُّ هَاهُنَا عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَيْسَتْ مِنْ الْكَسْبِ وَلَا مِنْ تَوَابِعِهِ. لَا يُقَالُ: إنَّ مِثْلَ تَزْوِيجِ أَمَتِهِ مِنْ ضَرُورَاتِ التِّجَارَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ نَفْسِ التِّجَارَةِ فَانْدَرَجَ فِي قَوْلِهِ أَوْ مِنْ ضَرُورَاتِهَا.

لِأَنَّا نَقُولُ: لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ ضَرُورَاتِهَا أَيْضًا لِأَنَّ الْمَأْذُونَ لَهُ يَمْلِكُ التِّجَارَةَ إجْمَاعًا وَلَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ أَمَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ كَمَا سَيَأْتِي. وَقَدْ تَقَرَّرَ عِنْدَهُمْ أَنَّ مَنْ مَلَكَ شَيْئًا يَمْلِكُ مَا هُوَ مِنْ ضَرُورَاتِهِ كَمَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ، فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ ضَرُورَاتِهَا لَمَلَكَهُ الْمَأْذُونُ لَهُ أَيْضًا إجْمَاعًا. فَلَا مَحِيصَ عَنْ الْمَحْذُورِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ الْمَزْبُورِ إلَّا بِأَنْ يَجْعَلَ لَفْظَ التِّجَارَةِ فِي كَلَامِهِ مَجَازًا عَنْ مُطْلَقِ الْكَسْبِ إطْلَاقًا لِلْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ

(قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ فِي رَقِيقِ الصَّغِيرِ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ) يَعْنِي يَمْلِكُ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ فِي رَقِيقِ الصَّغِيرِ مَا يَمْلِكُهُ الْمُكَاتَبُ فِي رَقِيقِ نَفْسِهِ، وَلَا يَمْلِكَانِ فِي رَقِيقِ الصَّغِيرِ مَا لَا يَمْلِكُهُ فِي رَقِيقِ نَفْسِهِ فَيَمْلِكَانِ تَزْوِيجَ أَمَةِ الصَّغِيرِ وَكِتَابَةَ عَبْدِهِ لَا تَزْوِيجَهُ وَلَا بَيْعَهُ مِنْ نَفْسِهِ وَلَا إعْتَاقَهُ عَلَى مَالٍ، كَذَا قَالُوا.

وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْإِصْلَاحِ وَالْإِيضَاحِ حَيْثُ قَالَ فِيمَا نَقَلَ عَنْهُ فِي الْحَاشِيَةِ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْإِعْتَاقُ عَلَى مَالٍ أَنْفَعُ مِنْ الْبَيْعِ عَلَى مَا مَرَّ وَلَا مَانِعَ هَاهُنَا، بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ فَإِنَّ كَوْنَ الْعِتْقِ فَوْقَ الْكِتَابَةِ مَانِعٌ ثَمَّةَ فَإِذَا مَلَكَا الْبَيْعَ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَمْلِكَا الْعِتْقَ عَلَى مَالٍ أَيْضًا اهـ.

أَقُولُ: لَمْ يَمُرَّ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَلَا فِي كِتَابِهِ وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ أَنَّ الْعِتْقَ أَنْفَعُ مِنْ الْبَيْعِ، وَإِنَّمَا الَّذِي مَرَّ وَتَقَرَّرَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ أَنَّ الْكِتَابَةَ أَنْفَعُ مِنْ الْبَيْعِ لِأَنَّهَا لَا تُزِيلُ الْمِلْكَ إلَّا بَعْدَ وُصُولِ الْبَدَلِ إلَى الْمَالِكِ وَالْبَيْعُ يُزِيلُهُ قُبَيْلَهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِعْتَاقَ عَلَى مَالٍ يُزِيلُهُ قَبْلَهُ أَيْضًا مَعَ مَا فِيهِ مِنْ إثْبَاتِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّةِ الْمُفْلِسِ كَمَا مَرَّ آنِفًا فَلَمْ يَكُنْ أَنْفَعَ مِنْ الْبَيْعِ لَا مَحَالَةَ وَلَا نَظِيرَ الْبَيْعِ فَبَطَلَ قَوْلُهُ فَإِذَا مَلَكَا الْبَيْعَ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَمْلِكَا الْعِتْقَ عَلَى مَالٍ أَيْضًا.

(قَوْلُهُ فَأَمَّا الْمَأْذُونُ لَهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ أَمَتَهُ) أَقُولُ: فِي هَذَا التَّحْرِيرِ نَوْعُ إشْكَالٍ، لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ قُبَيْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى مَالٍ أَوْ بَاعَهُ نَفْسَهُ أَوْ زَوَّجَ عَبْدَهُ لَمْ يَجُزْ، فَمَعَ كَوْنِ كَلِمَةِ أَمَّا فِي قَوْلِهِ فَأَمَّا الْمَأْذُونُ لَهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا يَأْبَاهُ، إذْ حُكْمُ مَا ذَكَرَ قُبَيْلَهُ أَيْضًا عَدَمُ الْجَوَازِ يُنَافِيهِ قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ أَمَتَهُ، فَإِنَّ تَزْوِيجَ الْأَمَةِ لَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي هَاتِيكَ الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>