وَلِأَنَّهُ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِغَيْرِ الْمَالِ فَيُعْتَبَرُ بِالْكِتَابَةِ دُونَ الْإِجَارَةِ، إذْ هِيَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ تَزْوِيجَ الْعَبْدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
أَنَّهُمَا مُتَرَادِفَانِ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ أَوْ الْمُصَنَّفِينَ فَلَا وَجْهَ فَلْيُتَّبَعْ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِغَيْرِ الْمَالِ فَيُعْتَبَرُ بِالْكِتَابَةِ دُونَ الْإِجَارَةِ إذْ هِيَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ) أَقُولُ: يَرُدُّ عَلَى قَوْلِهِ إذْ هِيَ: أَيْ الْإِجَارَةُ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ أَنَّهُ يَلْزَمُ حِينَئِذٍ أَنْ يُنْتَقَضَ تَعْرِيفُهُمْ الْبَيْعَ بِمُبَادَلَةِ الْمَالِ بِمَالٍ بِالْإِجَارَةِ مَعَ أَنَّهُ تَعْرِيفٌ مُسَلَّمٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِوَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ: فِيهِ بَحْثٌ، لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُونَ فِي وَجْهِ مُنَاسَبَةِ الْكِتَابَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. أَقُولُ: يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَاهُنَا وَبَيْنَ مَا ذَكَرَهُ الشُّرَّاحُ فِي وَجْهِ مُنَاسَبَةِ الْكِتَابَةِ بِالْإِجَارَةِ فِي صَدْرِ كِتَابِ الْمُكَاتَبِ وَهُوَ قَوْلُهُمْ أَوْرَدَ عَقْدَ الْكِتَابَةِ بَعْدَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ لِمُنَاسَبَةِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَقْدٌ يُسْتَفَادُ بِهِ الْمَالُ بِمُقَابَلَةِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ اهـ، بِأَنَّ مُرَادَهُمْ مَا لَيْسَ بِمَالٍ مَا لَيْسَ بِمَالٍ حَقِيقَةً، وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِالْمَالِ فِي قَوْلِهِ إذْ هِيَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ مَا هُوَ مَالٌ حُكْمًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالًا حَقِيقَةً، فَإِنَّ أَحَدَ الْبَدَلَيْنِ فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ وَهُوَ الْمَنْفَعَةُ جُعِلَ فِي حُكْمِ الْمَالِ بِتَسْلِيمِ رَقَبَةِ الْعَيْنِ وَإِقَامَتِهَا مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ، بِخِلَافِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ، وَيُفْصِحُ عَنْ كَوْنِ الْمُرَادِ بِالْمَالِ فِي قَوْلِهِ إذْ هِيَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ مَا قُلْنَا قَوْلُ صَاحِبِ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ فِي تَعْلِيلِ ذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الْمَنْفَعَةَ فِي الْإِجَارَةِ فِي حُكْمِ الْمَالِ اهـ.
ثُمَّ أَقُولُ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ الْمَالُ فِي تَعْرِيفِهِمْ الْبَيْعَ بِمُبَادَلَةِ الْمَالِ بِالْمَالِ عَلَى الْمَالِ الْحَقِيقِيِّ دُونَ مَا يَتَنَاوَلُ الْحُكْمِيَّ بِنَاءً عَلَى قَاعِدَةِ انْصِرَافِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْكَمَالِ، فَحِينَئِذٍ لَا يُرَدُّ انْتِقَاضُ تَعْرِيفِ الْبَيْعِ بِالْإِجَارَةِ لِأَنَّ أَحَدَ الْبَدَلَيْنِ هُنَاكَ مَالٌ حُكْمًا لَا حَقِيقَةً كَمَا عَرَفْتَهُ آنِفًا. ثُمَّ إنَّ عَامَّةَ الشُّرَّاحِ قَالُوا فِي تَعْلِيلِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إذْ هِيَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ مَالٌ.
وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ بَعْدَ ذَلِكَ التَّعْلِيلِ: وَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ تَصْلُحُ مَهْرًا فِي النِّكَاحِ مَعَ أَنَّ النِّكَاحَ شُرِعَ ابْتِغَاؤُهُ بِالْمَالِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ﴾ اهـ وَهَكَذَا قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ أَيْضًا غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْوَاوَ فِي قَوْلِهِ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ تَصْلُحُ مَهْرًا فِي بَابِ النِّكَاحِ بَلْ جَعَلَهُ عِلَّةً لِمَا قَبْلَهُ.
أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْمَهْرِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ فِي تَعْلِيلِ قَوْلِهِ وَإِنْ تَزَوَّجَ حُرٌّ امْرَأَةً عَلَى خِدْمَتِهِ سَنَةً أَوْ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا حَيْثُ قَالَ بَعْدَ بَيَانِ خِلَافِ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ: وَلَنَا أَنَّ الْمَشْرُوعَ إنَّمَا هُوَ الِابْتِغَاءُ بِالْمَالِ وَالتَّعْلِيمُ لَيْسَ بِمَالٍ، وَكَذَا الْمَنَافِعُ عَلَى أَصْلِنَا اهـ. فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمَنَافِعَ لَيْسَتْ بِمَالٍ عَلَى أَصْلِنَا سِيَّمَا فِي بَابِ النِّكَاحِ فَتَأَمَّلْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute