للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَهُمَا أَنَّ الْمَأْذُونَ لَهُ يَمْلِكُ التِّجَارَةَ وَهَذَا لَيْسَ بِتِجَارَةٍ، فَأَمَّا الْمُكَاتَبُ يَتَمَلَّكُ الِاكْتِسَابَ وَهَذَا اكْتِسَابٌ،

مِنْ قِيَاسِهِ وَاعْتِبَارِهِ نَظَرٌ.

أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ قِيَاسُ الْمَأْذُونِ لَهُ عَلَى الْمُكَاتَبِ فِيمَا يَجُوزُ لَهُ لَصَحَّ قِيَاسُهُ عَلَيْهِ فِي كِتَابَةِ عَبْدِهِ أَيْضًا، فَإِنَّ الْمُكَاتَبَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ لِلْمَأْذُونِ لَهُ أَيْضًا أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ، مَعَ أَنَّ كِتَابَةَ الْمَأْذُونِ لَهُ عَبْدَهُ مِمَّا لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ.

وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَإِنَّهُ لَوْ تَمَّ اعْتِبَارُ التَّزْوِيجِ بِالْإِجَارَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ جَوَازَهَا لِلْمَأْذُونِ لَهُ يَقْتَضِي جَوَازَهُ لَهُ أَيْضًا لَزِمَ أَنْ يَجُوزَ تَزْوِيجُ عَبْدِهِ أَيْضًا كَمَا يَجُوزُ إجَارَةُ عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ عَلَى مَا نَصُّوا عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ تَزْوِيجُ عَبْدِهِ بِالْإِجْمَاعِ. ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ النِّهَايَةِ قَالَ: ثُمَّ اسْتَعْمَلَ لَفْظَ الْقِيَاسِ فِي الْعَيْنَيْنِ وَهُمَا الْمَأْذُونُ وَالْمُكَاتَبُ، وَلَفْظَ الِاعْتِبَارِ فِي الْفِعْلَيْنِ وَهُمَا التَّزْوِيجُ وَالْإِجَارَةُ، لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْعَيْنَيْنِ ظَاهِرَةٌ، وَإِذْ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا فَكُّ الْحَجْرِ وَإِطْلَاقُ التَّصَرُّفِ فَكَانَ شَرْطُ الْقِيَاسِ مَوْجُودًا فَاسْتَعْمَلَ لَفْظَ الْقِيَاسِ لِذَلِكَ.

وَأَمَّا فِي هَذَيْنِ الْفِعْلَيْنِ فَالْمُمَاثَلَةُ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ الْفِعْلِيَّةِ لَا غَيْرُ، لِمَا أَنَّ الْإِجَارَةَ مِنْ الْمُعَاوَضَاتِ الْمَالِيَّةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ لِأَنَّ لِلْمَنْفَعَةِ حُكْمَ الْمَالِيَّةِ؛ أَلَا يُرَى أَنَّ الْحَيَوَانَ لَا يَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ بِمُقَابَلَةِ الْمَنَافِعِ كَمَا لَا يَثْبُتُ دَيْنًا بِمُقَابَلَةِ الْأَمْوَالِ الْحَقِيقِيَّةِ فِي الْبَيْعِ فَكَانَ اسْتِعْمَالُ لَفْظِ الِاعْتِبَارِ هُنَاكَ أَلْيَقَ اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ.

أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ إذْ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا فَكُّ الْحَجْرِ وَإِطْلَاقُ التَّصَرُّفِ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا فَكَّ الْحَجْرِ وَإِطْلَاقَ جَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ قَطْعًا، إذْ لَا يَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَثِيرٌ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ عَلَى مَا فُصِّلَ فِي كِتَابَيْهِمَا، وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا فَكَّ الْحَجْرِ وَإِطْلَاقَ التَّصَرُّفِ الَّذِي أُطْلِقَ فِي الْآخَرِ أَيْضًا فَلَيْسَ كَذَلِكَ أَيْضًا؛ أَلَا يُرَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْمَأْذُونِ لَهُ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا فَكَّ الْحَجْرِ وَإِطْلَاقُ التَّصَرُّفِ بَعْضٌ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ فِي الْجُمْلَةِ فَبِهَذَا الْقَدْرِ لَا تَتَحَقَّقُ الْمُمَاثَلَةُ الْمُصَحِّحَةُ لِلْقِيَاسِ فَضْلًا عَنْ ظُهُورِهَا.

وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ لِمَا أَنَّ الْإِجَارَةَ مِنْ الْمُعَاوَضَاتِ الْمَالِيَّةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ إلَخْ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنْ تَكُونَ الْمُمَاثَلَةُ بَيْنَ ذَيْنَكَ الْفِعْلَيْنِ مِنْ حَيْثُ الْفِعْلِيَّةُ لَا غَيْرُ، فَإِنَّ انْتِفَاءَ الْمُمَاثَلَةِ الْغَيْرِ الْفِعْلِيَّةِ بَيْنَهُمَا مِنْ الْحَيْثِيَّةِ الْمَخْصُوصَةِ لَا يَسْتَدْعِي انْتِفَاءَهَا مِنْ الْحَيْثِيَّاتِ الْأُخَرِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا كَوْنُ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ طَرِيقِ الْكَسْبِ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ.

وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ نَقْلِ مَا فِي النِّهَايَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْقِيَاسِ إنْ كَانَ هُوَ الشَّرْعِيُّ فَذَلِكَ لَا يَكُونُ بَيْنَ عَيْنَيْنِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا نُسَلِّمُ أَوْلَوِيَّتَهُ اهـ. أَقُولُ: هَذَا النَّظَرُ مُنْدَفِعٌ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْقِيَاسِ هُوَ الشَّرْعِيُّ كَمَا يُرْشِدُ إلَيْهِ جَعْلُهُ دَلِيلًا عَلَى الْمَسْأَلَةِ الشَّرْعِيَّةِ.

قَوْلُهُ فَذَلِكَ لَا يَكُونُ بَيْنَ عَيْنَيْنِ إنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ بَيْنَ نَفْسَيْ الْعَيْنَيْنِ مِنْ حَيْثُ ذَاتَيْهِمَا فَهُوَ مُسَلَّمٌ، وَلَكِنْ لَيْسَ مُرَادُ صَاحِبِ النِّهَايَةِ بِاسْتِعْمَالِ الْقِيَاسِ بَيْنَ الْعَيْنَيْنِ اسْتِعْمَالَهُ بَيْنَهُمَا مِنْ تِلْكَ الْحَيْثِيَّةِ، بَلْ مُرَادُهُ بِذَلِكَ اسْتِعْمَالُهُ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ عَمَلُهُمَا وَتَصَرُّفُهُمَا، وَلَا رَيْبَ فِي جَرَيَانِ الْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ بَيْنَهُمَا مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ بَيْنَ الْعَيْنَيْنِ بِحَيْثِيَّةٍ مِنْ الْحَيْثِيَّاتِ فَهُوَ فَاسِدٌ اسْتِعْمَالًا فِي مَعْنَى الْمُمَاثَلَةِ مِنْ لَفْظِ الِاعْتِبَارِ، حَتَّى أَنَّ مَعْنَى الْمُمَاثَلَةِ كَانَ مُعْتَبَرًا فِي أَصْلِ مَعْنَى الْقِيَاسِ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ، وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي صِحَاحِ الْجَوْهَرِيِّ وَغَيْرِهِ: قَاسَ الشَّيْءَ بِالشَّيْءِ قَدَّرَهُ عَلَى مِثَالِهِ، فَكَانَ اسْتِعْمَالُ لَفْظِ الْقِيَاسِ فِي الشَّيْئَيْنِ اللَّذَيْنِ بَيْنَهُمَا مُمَاثَلَةٌ ظَاهِرَةٌ، وَاسْتِعْمَالُ لَفْظِ الِاعْتِبَارِ فِي الْأَمْرَيْنِ اللَّذَيْنِ بَيْنَهُمَا مُمَاثَلَةٌ خَفِيَّةٌ أَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ قَطْعًا، لِأَنَّ فِيهِ تَوْفِيَةَ الْأَقْوَى لِلْأَقْوَى وَالْأَضْعَفِ لِلْأَضْعَفِ.

ثُمَّ إنْ رَأَى صَاحِبُ الْعِنَايَةِ هَاهُنَا أَنْ يَكُونَ لَفْظُ الْقِيَاسِ وَلَفْظُ الِاعْتِبَارِ مُتَرَادِفَيْنِ حَيْثُ قَالَ قَبْلَ نَقْلِ مَا فِي النِّهَايَةِ: وَقَاسَهُ وَاعْتَبَرَهُ مُتَرَادِفَانِ اهـ.

أَقُولُ: إنْ أَرَادَ أَنَّهُمَا مُتَرَادِفَانِ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ فَهُوَ مَمْنُوعٌ جِدًّا، وَإِنْ أَرَادَ

<<  <  ج: ص:  >  >>