وَلَهُ أَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ يَجُوزَ بَيْعُهَا وَإِنْ كَانَ مَعَهَا وَلَدٌ لِأَنَّ كَسْبَ الْمُكَاتَبِ مَوْقُوفٌ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَا لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ، إلَّا أَنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ هَذَا الْحَقُّ فِيمَا إذَا كَانَ مَعَهَا وَلَدٌ تَبَعًا لِثُبُوتِهِ فِي الْوَلَدِ بِنَاءً عَلَيْهِ، وَبِدُونِ الْوَلَدِ لَوْ ثَبَتَ ثَبَتَ ابْتِدَاءً وَالْقِيَاسُ يَنْفِيهِ (وَإِنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ مِنْ أَمَةٍ لَهُ دَخَلَ فِي كِتَابَتِهِ) لِمَا بَيَّنَّا فِي الْمُشْتَرَى (وَكَانَ حُكْمُهُ كَحُكْمِهِ وَكَسْبُهُ لَهُ) لِأَنَّ كَسْبَ الْوَلَدِ كَسْبٌ كَسَبَهُ وَيَكُونُ كَذَلِكَ قَبْلَ الدَّعْوَةِ فَلَا يَنْقَطِعُ بِالدَّعْوَةِ اخْتِصَاصُهُ، وَكَذَلِكَ إنْ وَلَدَتْ الْمُكَاتَبَةُ وَلَدًا لِأَنَّ حَقَّ امْتِنَاعِ الْبَيْعِ ثَابِتٌ فِيهَا مُؤَكَّدًا فَيَسْرِي إلَى الْوَلَدِ كَالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ.
وَلَدُهُ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي عَيْنِ حُرِّيَّةِ وَلَدِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ حَقِيقَةُ الْحُرِّيَّةِ أَوْ حَقُّهَا تَحْقِيقًا لِلصِّلَةِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ عَلَى مَا مَرَّ.
ثُمَّ قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: فَإِنْ قُلْت: الْعَقْدُ مَا وَرَدَ عَلَى الْوَلَدِ أَيْضًا. قُلْت: وَرَدَ عَلَى الْمُكَاتَبِ وَالْوَلَدُ جُزْؤُهُ فَيَكُونُ وَارِدًا عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْأَمَةِ اهـ. أَقُولُ: فِيهِ أَيْضًا نَظَرٌ، لِأَنَّ كَوْنَ قَرَابَةِ الْوَلَدِ قَرَابَةً جُزْئِيَّةً لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ وُرُودُ الْعَقْدِ عَلَى الْأَبِ وُرُودًا عَلَى الْوَلَدِ أَيْضًا وَإِلَّا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ كِتَابَةُ الْوَلَدِ أَيْضًا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ أَصَالَةً لَا تَبَعًا لِوَالِدِهِ فَلَا يَصِحُّ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: أَمَّا دُخُولُ الْوَلَدِ فِي الْكِتَابَةِ فَلِمَا ذَكَرْنَا كَمَا لَا يَخْفَى. وَيَلْزَمُ أَيْضًا أَنْ لَا يَثْبُتَ.
فَرْقٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَيْنَ مَا إذَا كَانَ مَعَهَا وَلَدُهَا فِي الِاشْتِرَاءِ وَبَيْنَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ وَلَدُهَا مَعَهَا فِيهِ تَدَبَّرْ تَقِفْ (قَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ يَجُوزَ بَيْعُهَا وَإِنْ كَانَ مَعَهَا وَلَدٌ، إلَى قَوْلِهِ: وَبِدُونِ الْوَلَدِ لَوْ ثَبَتَ ثَبَتَ ابْتِدَاءً وَالْقِيَاسُ يَنْفِيهِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْقِيَاسُ كَمَا يَنْفِيهِ ابْتِدَاءً يَنْفِيهِ مَعَ الْوَلَدِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي أَوَّلِ الدَّلِيلِ، فَتَخْصِيصُ نَفْيِهِ بِالِابْتِدَاءِ مَعَ أَنَّهُ مُنَافٍ لِصَدْرِ الْكَلَامِ تَحَكُّمٌ.
وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَيْسَ بِتَحَكُّمٍ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الِاسْتِحْسَانِ بِالْأَثَرِ وَهُوَ قَوْلُهُ ﷺ «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» وَلَا شَكَّ أَنَّ الْوَلَدَ إنَّمَا يُعْتِقُ الْأُمَّ إذَا مَلَكَهُ الْأَبُ. وَقَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ يَنْفِيهِ: يَعْنِي وَلَا نَصَّ فِيهِ يُتْرَكُ بِهِ الْقِيَاسُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَعَهَا وَلَدُهَا، إلَى هُنَا كَلَامُهُ.
أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ بَحْثٌ، وَهُوَ أَنَّ الْأَثَرَ الْمَذْكُورَ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ مَعَهَا وَلَدُهَا وَبَيْنَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا وَلَدٌ، بَلْ هُوَ بِظَاهِرِ إطْلَاقِهِ يَتَنَاوَلُ الصُّورَتَيْنِ مَعًا، فَقَوْلُهُ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْوَلَدَ إنَّمَا يُعْتِقُ الْأُمَّ إذَا مَلَكَهُ الْأَبُ إنْ أَرَادَ أَنَّ الْأَثَرَ الْمَذْكُورَ يَدُلُّ عَلَيْهِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ جِدًّا، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّ ذَلِكَ الْمَعْنَى ثَابِتٌ مُقَرَّرٌ بِدُونِ دَلَالَةِ الْأَثَرِ الْمَذْكُورِ عَلَيْهِ فَهُوَ يُؤَدِّي إلَى الْمُصَادَرَةِ إذْ هُوَ أَوَّلُ الْمَسْأَلَةِ، فَإِنَّ الْإِمَامَيْنِ لَمْ يَقْبَلَاهُ فَلِهَذَا لَمْ يُجَوِّزَا بَيْعَ الْمُكَاتَبِ امْرَأَتَهُ الْمُشْتَرَاةَ الَّتِي وَلَدَتْ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَمْلِكَهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ وَلَدَهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute