وَالْكِتَابَةُ وَإِنْ كَانَتْ لَازِمَةً فِي جَانِبِ الْمَوْلَى وَلَكِنَّهُ يُفْسَخُ بِرِضَا الْعَبْدِ وَالظَّاهِرُ رِضَاهُ تَوَسُّلًا إلَى عِتْقِهِ بِغَيْرِ بَدَلٍ مَعَ سَلَامَةِ الْأَكْسَابِ لَهُ لِأَنَّا نُبْقِي الْكِتَابَةَ فِي حَقِّهِ.
قَالَ (وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ إلَى سَنَةٍ فَصَالَحَهُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ مُعَجَّلَةٍ فَهُوَ جَائِزٌ) اسْتِحْسَانًا. وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ اعْتِيَاضٌ عَنْ الْأَجَلِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ وَالدَّيْنُ مَالٌ فَكَانَ رِبًا، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ مِثْلُهُ فِي الْحُرِّ
قَطْعًا لِعِتْقِهَا عِنْدَ مَوْتِ مَوْلَاهَا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ دُونَ ثُلُثِهِ، فَإِذَا جَازَ الْتِزَامُ الْمَالِ مِنْ أُمِّ الْوَلَدِ بِمُقَابَلَةِ مَا تَسْتَحِقُّ حُرِّيَّتَهُ كُلًّا لِلِاحْتِيَاجِ إلَى اسْتِفَادَةِ الْحُرِّيَّةِ قَبْلَ مَوْتِ الْمَوْلَى كَمَا مَرَّ، فَلَأَنْ جَازَ ذَلِكَ مِنْ الْمُدَبَّرَةِ بِمُقَابَلَةِ مَا تَسْتَحِقُّ حُرِّيَّتَهُ بَعْضًا لِتِلْكَ الْعِلَّةِ بِعَيْنِهَا أَوْلَى كَمَا لَا يَخْفَى فَلْيُتَأَمَّلْ.
وَاسْتَشْكَلَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ هَذَا التَّعْلِيلَ بِوَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ: لَا يَتَمَشَّى عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ اسْتَحَقَّ حُرِّيَّةَ الْكُلِّ عِنْدَهُ لِعَدَمِ تَجَزُّؤِ الْإِعْتَاقِ اهـ. أَقُولُ: ذَاكَ سَاقِطٌ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُدَبَّرَ وَالْمُدَبَّرَةَ يَسْتَحِقَّانِ بِالتَّدْبِيرِ حُرِّيَّةَ الْكُلِّ عِنْدَهُ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُمَا يَسْتَحِقَّانِ بِهِ حُرِّيَّةَ الثُّلُثِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا وَلِهَذَا يُعْتَقَانِ عِنْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ وَيَسْعَيَانِ فِي ثُلُثِهِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمَا بِالْإِجْمَاعِ، وَثُبُوتُ عِتْقِ الْكُلِّ بِعِتْقِ الْبَعْضِ عِنْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى عَلَى أَصْلِ الْإِمَامَيْنِ وَهُوَ عَدَمُ تَجَزُّؤِ الْإِعْتَاقِ لَا يُنَافِي اسْتِحْقَاقَ حُرِّيَّةِ الثُّلُثِ بِنَفْسِ التَّدْبِيرِ عِنْدَهُمَا أَيْضًا.
وَلَئِنْ سَلِمَ اسْتِحْقَاقُ الْمُدَبَّرِ وَالْمُدَبَّرَةِ بِنَفْسِ التَّدْبِيرِ حُرِّيَّةَ الْكُلِّ عِنْدَهُمَا فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهَا اسْتَحَقَّتْ حُرِّيَّةَ الثُّلُثِ ظَاهِرًا هُوَ أَنَّهَا اسْتَحَقَّتْهَا مَجَّانًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْزَمَهَا سِعَايَةٌ فِي ذَلِكَ الثُّلُثِ كَمَا تَلْزَمُهَا فِي الثُّلُثَيْنِ الْآخَرَيْنِ، وَبِقَوْلِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَلْتَزِمُ الْمَالَ بِمُقَابَلَةِ مَا يَسْتَحِقُّ حُرِّيَّتَهُ هُوَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَلْتَزِمُ الْمَالَ بِمُقَابَلَةِ مَا يَسْتَحِقُّ حُرِّيَّتَهُ مَجَّانًا، بِخِلَافِ مَا لَا يَسْتَحِقُّ حُرِّيَّتَهُ أَوْ يَسْتَحِقُّهَا وَلَكِنْ يَلْزَمُهُ أَدَاءُ مَالِ السِّعَايَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَلْتَزِمَ الْمَالَ بِمُقَابَلَتِهِ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى يَتَمَشَّى عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْلِ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا تَفَكَّرْ تَفْهَمْ.
(قَوْلُهُ وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ اعْتِيَاضٌ عَنْ الْأَجَلِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ وَالدَّيْنُ مَالٌ فَكَانَ رِبًا) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَحَلِّ: وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِأَنَّ هَذَا الصُّلْحَ اعْتِيَاضٌ عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ بِمَا هُوَ مَالٌ، لِأَنَّ الْأَجَلَ لَيْسَ بِمَالٍ وَالدَّيْنُ مَالٌ، وَذَلِكَ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ لَا يَجُوزُ وَعَقْدُ الْكِتَابَةِ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، وَإِذَا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ كَانَ خَمْسُمِائَةٍ بَدَلًا عَنْ أَلْفٍ وَذَلِكَ رِبًا اهـ كَلَامُهُ.
وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: أَشَارَ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ وَذَلِكَ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ لَا يَجُوزُ إلَى قَوْلِهِ اعْتِيَاضٌ عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ بِمَا هُوَ مَالٌ، وَلَكِنَّهُ مَنْقُوضٌ بِالْمَهْرِ وَالْمَالِ الْمُقَابَلِ بِالطَّلَاقِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute