وَمُكَاتَبِ الْغَيْرِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْأَجَلَ فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ مَالٌ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْأَدَاءِ إلَّا بِهِ فَأُعْطِيَ لَهُ حُكْمُ الْمَالِ، وَبَدَلُ الْكِتَابَةِ مَالٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى لَا تَصِحَّ الْكَفَالَةُ بِهِ فَاعْتَدَلَا فَلَا يَكُونُ رِبًا، وَلِأَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ عَقْدٌ مِنْ وَجْهٍ
إلَّا أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ بِالنَّصِّ اهـ.
أَقُولُ: لَيْسَ ذَلِكَ مَنْقُوضًا بِالْمَهْرِ وَالْمَالِ الْمُقَابَلِ بِالطَّلَاقِ، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ فِي قَوْلِهِ وَذَلِكَ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ لَا يَجُوزُ مَا ذُكِرَ الْعِوَضُ فِيهِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ فَيَخْرُجُ مِنْهُ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ عَلَى مَالٍ وَنَحْوُهُمَا، لِأَنَّ ذِكْرَ الْعِوَضِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ. وَقَدْ صَرَّحَ الشُّرَّاحُ بِمِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى فِي صَدْرِ كِتَابِ الْمُكَاتَبِ حَيْثُ قَالُوا: أَوْرَدَ عَقْدَ الْكِتَابَةِ بَعْدَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ لِمُنَاسَبَةِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَقْدٌ يُسْتَفَادُ بِهِ الْمَالُ بِمُقَابَلَةِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ عَلَى وَجْهٍ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى ذِكْرِ الْعِوَضِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ. وَقَالُوا: خَرَجَ بِقَوْلِنَا مَا لَيْسَ بِمَالٍ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ. وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ عَلَى مَالٍ. فَإِنَّ ذِكْرَ الْعِوَضِ فِيهَا لَيْسَ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ اهـ.
ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: لَا يُقَالُ هَلَّا جُعِلَتْ إسْقَاطًا لِبَعْضِ الْحَقِّ لِيَجُوزَ لِأَنَّ الْإِسْقَاطَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمُسْتَحَقِّ وَالْمُعَجَّلُ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحَقًّا اهـ. وَقَالَ ذَلِكَ الْبَعْضُ مِنْ الْفُضَلَاءِ: لَوْ صَحَّ هَذَا لَمْ تَجُزْ هِبَةُ الْمَهْرِ الْمُؤَجَّلِ وَإِسْقَاطُ الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ اهـ.
أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِسَدِيدٍ، لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا هُوَ الْمُؤَجَّلُ، وَالْمُسْقَطُ أَيْضًا هُوَ الْمُؤَجَّلُ، وَلَيْسَ هُنَاكَ شَرْطُ شَيْءٍ مُعَجَّلٍ فِي الْمُقَابَلَةِ فَلَمْ يُوجَدْ التَّصَرُّفُ فِي غَيْرِ الْمُسْتَحَقِّ أَصْلًا، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ الْخَمْسَمِائَةِ الْمُعَجَّلَةَ الَّتِي وَقَعَ عَلَيْهَا الصُّلْحُ لَيْسَتْ بِمُسْتَحَقَّةٍ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ فَلَمْ يُمْكِنْ حَمْلُ الصُّلْحِ إسْقَاطًا لِبَعْضِ الْحَقِّ وَاسْتِيفَاءً لِبَعْضِهِ الْآخَرِ، فَإِنَّ الْإِسْقَاطَ وَالِاسْتِيفَاءَ إنَّمَا يَتَحَقَّقَانِ فِي الْمُسْتَحَقِّ وَالْمُعَجَّلِ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحَقًّا فَلَا يُمْكِنُ الِاسْتِيفَاءُ. نَعَمْ لَوْ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ لَا يُقَالُ هَلَّا جَعَلْت الصُّلْحَ إسْقَاطًا لِبَعْضِ الْحَقِّ وَاسْتِيفَاءً لِبَعْضِهِ الْآخَرِ لِأَنَّ الْإِسْقَاطَ وَالِاسْتِيفَاءَ إنَّمَا يَتَحَقَّقَانِ فِي الْمُسْتَحَقِّ وَالْمُعَجَّلِ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحَقًّا لَكَانَ أَظْهَرَ، لِأَنَّ تَأْثِيرَ قَوْلِهِ وَالْمُعَجَّلُ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحَقًّا فِي حَقِّ انْتِفَاءِ الِاسْتِيفَاءِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ دُونَ انْتِفَاءِ الْإِسْقَاطِ فِيهِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَعَنْ هَذَا قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ اعْتِيَاضٌ عَنْ الْأَجَلِ، لِأَنَّ الْمُعَجَّلَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ بِالسَّبَبِ السَّابِقِ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ الصُّلْحِ إسْقَاطًا لِلْبَعْضِ وَاسْتِيفَاءً لِلْبَعْضِ، فَلَوْ جُعِلَ إنَّمَا يُجْعَلُ اعْتِيَاضًا عَنْ الْخَمْسِمِائَةِ بِخَمْسِمِائَةٍ وَعَنْ الْأَجَلِ بِخَمْسِمِائَةٍ أُخْرَى، وَالِاعْتِيَاضُ عَنْ الْأَجَلِ لَا يَجُوزُ اهـ (قَوْلُهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْأَجَلَ فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ مَالٌ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْأَدَاءِ إلَّا بِهِ) قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: فِيهِ مُنَاقَشَةٌ ظَاهِرَةٌ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute