فَإِذَا أَضَافَهُ إلَى الْآمِرِ صَلَحَ فِعْلُهُ امْتِثَالًا فَيَقَعُ. الْعَقْدُ لِلْآمِرِ.
لَا يُجْعَلُ فِي غَيْرِهِ إلَّا بِالِاعْتِبَارِ، وَجَازَ تَرْكُ الِاعْتِبَارِ إذَا اقْتَضَاهُ ضَرُورَةً، أَمَّا مَالِيَّةُ الْعَبْدِ فَإِنَّهَا لَا تَنْفَكُّ عَنْ نَفْسِهِ، فَإِذَا خَرَّجَ نَفْسَهُ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَمَالِيَّتُهُ لَا تَنْفَكُّ سُلِّمَتْ إلَيْهِ، وَلَا حَبْسَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ.
أَقُولُ: فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ نَظَرِهِ وَجَوَابِهِ الَّذِي اسْتَصْوَبَهُ بَحْثٌ. أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ الْأَمْرَ الْحِسِّيَّ الَّذِي لَا مَرَدَّ لَهُ إنَّمَا هُوَ قَبْضُ الْوَكِيلِ، وَاَلَّذِي عَدَاهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ فِي جَوَابِهِ أَمْرًا اعْتِبَارِيًّا إنَّمَا هُوَ كَوْنُهُ قَبْضُ الْوَكِيلِ قَبْضَ الْمُوَكِّلِ، وَأَيْنَ هَذَا مِنْ ذَاكَ فَلَمْ يَكُنْ الْآمِرُ بِالْعَكْسِ كَمَا لَا يَخْفَى.
وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِعَدَمِ انْفِكَاكِ مَالِيَّةِ الْعَبْدِ عَنْ نَفْسِهِ عَدَمَ انْفِكَاكِهَا عَنْهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَهُوَ مَعَ كَوْنِهِ مَمْنُوعًا فِي نَفْسِهِ مُنَافٍ لِمَا قَالَهُ سَابِقًا فِي النَّظَرِ مِنْ أَنَّ مَالِيَّةَ الْعَبْدِ أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ وَكَوْنُهَا بِيَدِهِ كَذَلِكَ، وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ عَدَمَ انْفِكَاكِهَا عَنْهَا فِي اعْتِبَارِ أَهْلِ الشَّرْعِ فَلِلسَّائِلِ أَنْ يَقُولَ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتْرُكَ أَهْلُ الشَّرْعِ هَذَا الِاعْتِبَارَ عِنْدَ اقْتِضَاءِ الضَّرُورَةِ كَمَا فِي قَبْضِ الْوَكِيلِ؟ عَلَى أَنَّ حَاصِلَ هَذَا الْجَوَابِ أَيْضًا الْفَرْقُ بَيْنَ قَبْضِ الْوَكِيلِ وَبَيْنَ مَالِيَّةِ الْعَبْدِ بِأَنَّ الِانْفِكَاكَ جَائِزٌ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، فَتَعَيَّنَ التَّسْلِيمُ هَاهُنَا دُونَ الْأَوَّلِ، وَهَذَا إنَّمَا يَدْفَعُ مَنْعَ تَحَقُّقِ التَّسْلِيمِ هَاهُنَا، وَقَدْ عَرَفْت أَنْ خُلَاصَةَ السُّؤَالِ الْمَذْكُورِ مَنْعُ كَوْنِ التَّسْلِيمِ هُنَا مُسْقِطًا لِحَقِّ الْحَبْسِ لَا مَنْعُ تَحَقُّقِ التَّسْلِيمِ هَاهُنَا، فَلَا يَتِمُّ مَا ذَكَرَهُ جَوَابًا عَنْهُ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الصَّوَابَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ أَنْ يُقَالَ كَمَا ذَكَرَهُ، لَا الصَّوَابُ فِي الْجَوَابِ عَنْ أَصْلِ السُّؤَالِ أَنْ يُقَالَ كَذَا لَكِنَّهُ بَعِيدٌ عَنْ إيفَاءِ حَقِّ الْمَقَامِ.
وَالْأَشْبَهُ فِي تَقْرِيرِ ذَلِكَ السُّؤَالِ وَتَعْيِينِ الْجَوَابِ عَنْهُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: وُقُوعُ الْمَالِيَّةِ فِي يَدِ الْعَبْدِ ضَرُورِيٌّ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ لِلْمَوْلَى فَكَانَ كَالْوَكِيلِ لَهُ وِلَايَةُ حَبْسِ الْمَبِيعِ عَنْ الْمُوَكِّلِ وَإِنْ كَانَتْ يَدُهُ كَيَدِ الْمُوَكِّلِ حُكْمًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ. قُلْنَا: لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ لِلْوَكِيلِ عَنْ هَذَا فِي جِنْسِ الْوَكَالَاتِ، وَلَكِنْ يُمْكِنُ لِلْبَائِعِ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فِي جِنْسِ الْوَكَالَةِ بِأَنْ بَاعَ عَبْدَهُ لِوَكِيلٍ لَا يَشْتَرِي نَفْسَهُ انْتَهَى (فَإِذَا أَضَافَهُ) أَيْ أَضَافَ الْعَبْدُ الْعَقْدَ (إلَى الْآمِرِ صَلُحَ فِعْلُهُ امْتِثَالًا فَيَقَعُ الْعَقْدُ لِلْآمِرِ) هَذَا نَتِيجَةُ الدَّلِيلِ. تَقْرِيرُهُ أَنَّ الْعَبْدَ يَصْلُحُ وَكِيلًا عَنْ غَيْرِهِ فِي شِرَاءِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ، وَكُلُّ مَنْ صَلُحَ وَكِيلًا عَنْ غَيْرِهِ فِي شِرَاءِ مَالٍ إذَا أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى الْآمِرِ صَلُحَ فِعْلُهُ امْتِثَالًا، فَالْعَبْدُ إذَا أَضَافَهُ إلَى الْآمِرِ صَلُحَ فِعْلُهُ امْتِثَالًا فَيَقَعُ الْعَقْدُ لِلْآمِرِ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْكِتَابِ فَفَعَلَ فَهُوَ لِلْآمِرِ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْعَقْدَ يَتِمُّ بِقَوْلِ الْمَوْلَى بِعْتُ، وَهُوَ يُخَالِفُ مَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ مِنْ أَنَّ إضَافَةَ الْعَقْدِ إلَى الْمُوَكِّلِ إنَّمَا تُفِيدُهُ الْمِلْكَ إذَا وُجِدَ الْإِيجَابُ مِنْ الْمَوْلَى وَالْقَبُولُ مِنْ الْعَبْدِ، حَتَّى لَوْ قَالَ الْعَبْدُ: بِعْنِي نَفْسِي مِنْ فُلَانٍ فَقَالَ: بِعْتُ، لَا يَتِمُّ الْعَقْدُ حَتَّى يَقُولَ الْعَبْدُ قَبِلْتُ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْبَيْعِ، بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى لِنَفْسِهِ كَمَا سَيَأْتِي فَإِنَّهُ إعْتَاقٌ عَلَى مَالٍ مُقَدَّرٍ، وَالْوَاحِدُ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْإِعْتَاقِ إذَا كَانَ الْمَالُ مُقَدَّرًا فَيَتِمُّ بِقَوْلِ الْمَوْلَى بِعْتُ مَسْبُوقًا بِقَوْلِ الْعَبْدِ بِعْنِي نَفْسِي. فَإِنْ قِيلَ: إذَا أَضَافَ الْعَبْدُ الْعَقْدَ إلَى الْآمِرِ فَمَنْ الْمُطَالَبِ بِالثَّمَنِ؟ قُلْنَا: الْعَبْدُ؛ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ، فَيَجِبُ الثَّمَنُ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْآمِرِ.
فَإِنْ قُلْت: قَدْ يَكُونُ الْعَبْدُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ وَمِثْلُهُ لَا تَرْجِعُ إلَيْهِ الْحُقُوقُ. قُلْت: زَالَ الْحَجْرُ هَاهُنَا بِالْعَقْدِ الَّذِي بَاشَرَهُ مَعَ مَوْلَاهُ، فَإِنَّ الْمُبَاشَرَةَ تَسْتَدْعِي تَصَوُّرَ صِحَّةِ الْمُبَاشَرَةِ وَهُوَ إذْنٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute