للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَإِنْ عَقَدَ لِنَفْسِهِ فَهُوَ حُرٌّ)؛ لِأَنَّهُ إعْتَاقٌ وَقَدْ رَضِيَ بِهِ الْمَوْلَى دُونَ الْمُعَاوَضَةِ، وَالْعَبْدُ وَإِنْ كَانَ وَكِيلًا بِشِرَاءِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ وَلَكِنَّهُ أَتَى بِجِنْسِ تَصَرُّفٍ آخَرَ وَفِي مِثْلِهِ يَنْفُذُ عَلَى الْوَكِيلِ (وَكَذَا لَوْ قَالَ بِعْنِي نَفْسِي وَلَمْ يَقُلْ لِفُلَانٍ فَهُوَ حُرٌّ)؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ فَلَا يَقَعُ امْتِثَالًا بِالشَّكِّ فَيَبْقَى التَّصَرُّفُ وَاقِعًا لِنَفْسِهِ.

وَإِنْ عَقَدَ لِنَفْسِهِ) أَيْ إنْ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى نَفْسِهِ فَقَالَ بِعْنِي نَفْسِي مِنِّي فَقَالَ الْمَوْلَى بِعْت (فَهُوَ حُرٌّ؛ لِأَنَّهُ إعْتَاقٌ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَقَدْ رَضِيَ بِهِ الْمَوْلَى)؛ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ بَيْعَ الْعَبْدِ مِنْهُ إعْتَاقٌ (دُونَ الْمُعَاوَضَةِ) أَيْ لَمْ يَرْضَ بِهَا فَلَا يَقَعُ الْعَقْدُ لِلْآمِرِ. وَلَمَّا اسْتَشْعَرَ أَنْ يُقَالَ الْعَبْدُ وَكِيلٌ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَكَيْفَ جَازَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لِنَفْسِهِ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَالْعَبْدُ وَإِنْ كَانَ وَكِيلًا بِشِرَاءِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ وَلَكِنَّهُ أَتَى بِجِنْسِ تَصَرُّفٍ آخَرَ) وَهُوَ الْإِعْتَاقُ عَلَى مَالٍ فَكَانَ مُخَالِفًا (وَفِي مِثْلِهِ يَنْفُذُ عَلَى الْوَكِيلِ) فَإِنَّ الْوَكِيلَ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ إذَا خَالَفَ فَأَتَى بِجِنْسِ تَصَرُّفٍ آخَرَ يَنْفُذُ الْعَقْدُ عَلَى الْوَكِيلِ دُونَ الْمُوَكِّلِ كَمَا تَقَرَّرَ فِيمَا مَرَّ (وَكَذَا لَوْ قَالَ بِعْنِي نَفْسِي وَلَمْ يَقُلْ لِفُلَانٍ) أَيْ وَكَذَا لَوْ أَطْلَقَ الْعَبْدُ الْعَقْدَ فَقَالَ بِعْنِي نَفْسِي وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ (فَهُوَ حُرٌّ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ) يَعْنِي الِامْتِثَالَ وَغَيْرَهُ (فَلَا يَقَعُ امْتِثَالًا) أَيْ فَلَا يُجْعَلُ امْتِثَالًا (بِالشَّكِّ فَيَبْقَى التَّصَرُّفُ وَاقِعًا لِنَفْسِهِ) أَيْ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي التَّصَرُّفِ أَنْ يَقَعَ عَمَّنْ بَاشَرَهُ.

قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَعُورِضَ بِأَنَّ اللَّفْظَ حَقِيقَةٌ لِلْمُعَاوَضَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِذَا تَرَدَّدَ اللَّفْظُ بَيْنَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَعَلَى مَجَازِهِ حُمِلَ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَلْبَتَّةَ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ اللَّفْظَ لِلْحَقِيقَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ قَرِينَةٌ لِلْمَجَازِ وَقَدْ وُجِدَتْ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَهِيَ إضَافَةُ الْعَبْدِ الْعَقْدَ إلَى نَفْسِهِ فَإِنَّ حَقِيقَتَهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ غَيْرُ مُتَصَوَّرَةٍ وَرَضِيَ الْمَوْلَى بِذَلِكَ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَقَدْ رَضِيَ بِهِ الْمَوْلَى دُونَ الْمُعَاوَضَةِ انْتَهَى.

أَقُولُ: هَذَا الْجَوَابُ مِمَّا لَا يَكَادُ يَصِحُّ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ الْآنَ إنَّمَا هُوَ فِي مَسْأَلَةِ الْإِطْلَاقِ عَنْ الْإِضَافَةِ إلَى نَفْسِهِ وَإِلَى الْمُوَكِّلِ وَالْقَرِينَةُ الْمَذْكُورَةُ إنَّمَا وُجِدَتْ فِي مَسْأَلَةِ الْإِضَافَةِ إلَى نَفْسِهِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَقَدْ رَضِيَ بِهِ دُونَ الْمُعَاوَضَةِ إنَّمَا وَقَعَ فِيهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَوْرِدِ الِاعْتِرَاضِ وَلَا مِسَاسَ لِهَذَا الْجَوَابِ بِمَا نَحْنُ فِيهِ أَصْلًا. لَا يُقَالُ: لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْإِضَافَةِ إلَى نَفْسِهِ الَّتِي عُدَّتْ قَرِينَةً هَاهُنَا الْإِضَافَةُ الْمَارَّةُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ قَوْلِهِ بِعْنِي، بَلْ الْإِضَافَةُ الْحَاصِلَةُ مِنْ قَوْلِهِ نَفْسِي فِي قَوْلِهِ بِعْنِي نَفْسِي، وَهَذِهِ الْإِضَافَةُ مَوْجُودَةٌ فِي مَسْأَلَةِ الْإِطْلَاقِ أَيْضًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ: هَذِهِ الْإِضَافَةُ لَا تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ قَرِينَةً لِلْمَجَازِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>