فَيَنْزِلُ حَيًّا تَقْدِيرًا، أَوْ تَسْتَنِدُ الْحُرِّيَّةُ بِاسْتِنَادِ سَبَبِ الْأَدَاءِ إلَى مَا قَبْلَ الْمَوْتِ وَيَكُونُ أَدَاءُ خَلَفِهِ كَأَدَائِهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مُمْكِنٌ عَلَى مَا عُرِفَ تَمَامُهُ فِي الْخِلَافِيَّاتِ.
قَالَ (وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً
كَوْنِ الْمُكَاتَبِ نَفْسِهِ مَعْقُودًا عَلَيْهِ. وَبَيَانُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ سَلَامَةُ مَالِكِيَّةِ الْبَدَلِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَالْمُصَنِّفُ لَمْ يَتَعَرَّضْ فِي كَلَامِهِ هَذَا لِمَنْعِ ذَلِكَ قَطُّ وَلَا لِبَيَانِ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَاذَا، فَلَا مَجَالَ لَأَنْ يَكُونَ كَلَامُهُ هَذَا جَوَابًا عَنْ ذَلِكَ السُّؤَالِ، لِأَنَّ بُطْلَانَ الْعَقْدِ بِهَلَاكِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَمْرٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لَا يَحْتَمِلُ جَوَازَهُ بِكَوْنِ الْحَاجَةِ أَدْعَى إلَى إبْقَائِهِ بَعْدَ أَنْ هَلَكَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ، فَلَا تُفِيدُ الْمُقَدِّمَاتُ الْمَذْكُورَةُ هَاهُنَا شَيْئًا فِي دَفْعِ ذَلِكَ السُّؤَالِ أَصْلًا، ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْفُضَلَاءِ قَدَحَ فِيمَا جَوَّزَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ مِنْ كَوْنِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هَذَا جَوَابًا عَمَّا ذَكَرَ بِوَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ: لَا يَخْلُو عَنْ بُعْدٍ بَعْدَ قَوْلِهِ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَكَذَا بِمَوْتِ الْآخَرِ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ كَوْنِ الْمُكَاتَبِ مَعْقُودًا عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْكَلَامِ التَّنَزُّلِيِّ انْتَهَى.
أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِتَامٍّ لِأَنَّ كَوْنَ قَوْلِهِ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَكَذَا بِمَوْتِ الْآخَرِ صَرِيحًا فِي عَدَمِ كَوْنِ الْمُكَاتَبِ مَعْقُودًا عَلَيْهِ مَمْنُوعٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُكَاتَبُ مَعَ كَوْنِهِ أَحَدَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ مَعْقُودًا عَلَيْهِ أَيْضًا لِوُقُوعِ الْعَقْدِ عَلَى نَفْسِهِ، أَلَا يَرَى إلَى قَوْلِهِ فِي تَصْوِيرِ مَسْأَلَةِ كِتَابَةِ الْعَبْدِ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ عَبْدٍ آخَرَ لِمَوْلَاهُ غَائِبٍ بِأَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ كَاتَبَنِي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى نَفْسِي وَعَلَى فُلَانٍ الْغَائِبِ وَلَئِنْ سَلِمَ كَوْنُهُ صَرِيحًا فِي ذَلِكَ فَعَدَمُ كَوْنِ الْمُكَاتَبِ مَعْقُودًا عَلَيْهِ عِنْدَنَا لَا يَسْتَدْعِي عَدَمَ كَوْنِهِ كَذَلِكَ عِنْدَ الْخَصْمِ أَيْضًا، وَالسُّؤَالُ الْمَذْكُورُ إنَّمَا يُتَوَجَّهُ مِنْ قِبَلِ الْخَصْمِ.
فَلَوْ قَصَدَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ بَلْ أَوْلَى الْجَوَابَ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ مُنَافِيًا لِقَوْلِهِ السَّابِقِ بَلْ يَكُونُ مُقَرَّرًا لَهُ فَلَا احْتِيَاجَ إلَى التَّنَزُّلِ، بَلْ لَا مَعْنَى لَهُ يَظْهَرُ ذَلِكَ كُلُّهُ بِالتَّأَمُّلِ الصَّادِقِ (قَوْلُهُ فَيَنْزِلُ حَيًّا تَقْدِيرًا أَوْ تَسْتَنِدُ الْحُرِّيَّةُ بِاسْتِنَادِ سَبَبِ الْأَدَاءِ إلَى مَا قَبْلَ الْمَوْتِ وَيَكُونُ أَدَاءُ خَلَفِهِ كَأَدَائِهِ) هَذَا إشَارَةٌ إلَى الْجَوَابِ عَمَّا ذَكَرَهُ الْخَصْمُ مِنْ التَّرْدِيدِ بِوَجْهَيْنِ ذَهَبَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَعْتِقُ بَعْدَ الْمَوْتِ بِأَنْ يَنْزِلَ حَيًّا تَقْدِيرًا كَمَا أَنْزَلْنَا الْمَيِّتَ حَيًّا فِي حَقِّ بَقَاءِ التَّرِكَةِ عَلَى مِلْكِهِ فِيمَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ وَفِي حَقِّ التَّجْهِيزِ وَالتَّكْفِينِ وَتَنْفِيذِ الْوَصَايَا فِي الثُّلُثِ، وَكَمَا قَدَّرْنَا الْمَوْلَى حَيًّا وَمَالِكًا وَمُعْتِقًا فِي فَصْلِ مَوْتِ الْمَوْلَى.
وَثَانِيهِمَا: أَنَّهُ يَعْتِقُ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ بِأَنْ تَسْتَنِدَ الْحُرِّيَّةُ بِاسْتِنَادِ سَبَبِ الْأَدَاءِ إلَى مَا قَبْلَ الْمَوْتِ وَيُجْعَلُ أَدَاءُ خَلَفِهِ كَأَدَائِهِ بِنَفْسِهِ. هَذَا زُبْدَةُ مَا فِي شُرُوحِ هَذَا الْكِتَابِ وَغَيْرِهَا فِي هَذَا الْمَقَامِ. ثُمَّ أَقُولُ: مِنْ الْعَجَائِبِ هَاهُنَا أَنَّ صَاحِبَ الْإِصْلَاحِ وَالْإِيضَاحِ بَدَّلَ كَلِمَةَ أَوْ فِي أَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute