قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ مُسْتَنِدًا، لَا وَجْهَ إلَى الْأَوَّلِ لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ، وَلَا إلَى الثَّانِي لِفَقْدِ الشَّرْطِ وَهُوَ الْأَدَاءُ، وَلَا إلَى الثَّالِثِ لِتَعَذُّرِ الثُّبُوتِ فِي الْحَالِ وَالشَّيْءُ يَثْبُتُ ثُمَّ يَسْتَنِدُ.
وَلَنَا أَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، وَلَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَهُوَ الْمَوْلَى فَكَذَا بِمَوْتِ الْآخَرِ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا الْحَاجَةُ إلَى إبْقَاءِ الْعَقْدِ لِإِحْيَاءِ الْحَقِّ، بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ حَقَّهُ آكَدُ مِنْ حَقِّ الْمَوْلَى حَتَّى لَزِمَ الْعَقْدُ فِي جَانِبِهِ، وَالْمَوْتُ أَنَفَى لِلْمَالِكِيَّةِ مِنْهُ لِلْمَمْلُوكِيَّةِ
لِلْعَطْفِ أَيْضًا، وَالْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ مَعْنًى قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ﵁ كَأَنَّهُ قَالَ أَخَذَ بِقَوْلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَاسْتَدَلَّ لِمُدَّعَاهُ بِالْمَعْقُولِ أَيْضًا، كَمَا أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْكِتَابَةِ عَطْفٌ عَلَى مَعْنَى قَوْلِهِ وَإِمَامُهُ فِي ذَلِكَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ﵁، كَأَنَّهُ قَالَ لِأَثَرِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْكِتَابَةِ إلَخْ، وَالْعَطْفُ بِحَسَبِ الْمَعْنَى شَائِعٌ فِي كَلَامِ الثِّقَاتِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِجَوَازِ ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ فِي مَوَاضِعَ شَتَّى مِنْ كُتُبِ الْبَلَاغَةِ، فَتَطَابَقَ الشَّرْحُ وَالْمَشْرُوحُ فِي حَاصِلِ الْمَعْنَى كَمَا تَرَى، ثُمَّ إنَّ ذَلِكَ الْبَعْضَ قَالَ: وَالْمُوَافِقُ لِلْمَشْرُوحِ فَتَبْطُلُ الْكِتَابَةُ لِأَنَّ الْعُقُودَ إنَّمَا شُرِعَتْ لِأَحْكَامِهَا فَبُطْلَانُ الْحُكْمِ يَلْزَمُهُ بُطْلَانُ الْعَقْدِ انْتَهَى.
أَقُولُ: هَذَا كَلَامٌ خَالٍ عَنْ التَّحْصِيلِ لِأَنَّهُ كَانَ مَدَارَ رَدِّهِ عَلَى صَاحِبِ الْعِنَايَةِ بِعَدَمِ مُطَابِقَةِ شَرْحِهِ لِلْمَشْرُوحِ عَلَى تَحَقُّقِ الْوَاوِ الْعَاطِفَةِ فِي الْمَشْرُوحِ وَعَدَمِ تَحَقُّقِهِ فِي الشَّرْحِ عَلَى زَعْمِهِ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ فِيمَا ذَكَرَهُ نَفْسُهُ قَطُّ فَإِنَّهُ قَالَ: لِأَنَّ الْعُقُودَ إلَخْ بِدُونِ الْوَاوِ الْعَاطِفَةِ فَمَا مَعْنَى عَدَمِ مُطَابَقَةِ ذَلِكَ لِلْمَشْرُوحِ وَمُوَافَقَةِ هَذَا إيَّاهُ؟
وَأَيْضًا إنَّ الْفَاءَ فِي قَوْلِهِ فَتَبْطُلُ الْكِتَابَةُ مِمَّا لَا مَحَلَّ لَهُ فِي الْمَشْرُوحِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ النَّاظِرِ فِي عِبَارَةِ الْمَشْرُوحِ (قَوْلُهُ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ حَقَّهُ آكَدُ مِنْ حَقِّ الْمَوْلَى) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: قَوْلُهُ بَلْ أَوْلَى يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا عَمَّا يُقَالُ لَيْسَ مَوْتُ الْمُكَاتَبِ كَمَوْتِ الْعَاقِدِ، لِأَنَّ الْعَقْدَ يَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُكَاتَبُ دُونَ الْعَاقِدِ.
وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُوجِبَ لِبَقَاءِ الْعَقْدِ بَعْدَ مَوْتِ الْعَاقِدِ هَاهُنَا إنَّمَا هُوَ الْحَاجَةُ، وَالْحَاجَةُ إلَى ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُكَاتَبِ أَدْعَى مِنْ حَيْثُ الْمُقْتَضَى وَالْمَانِعُ إلَخْ.
أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ هَذَا إنَّمَا هُوَ لِمُجَرَّدِ الْمُبَالَغَةِ فِي تَحَقُّقِ الْجَامِعِ الْمَذْكُورِ فِي جَانِبِ الْمَقِيسِ وَهُوَ مَوْتُ الْمُكَاتَبِ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَلَا وَجْهَ لِتَجْوِيزِ كَوْنِهِ جَوَابًا عَمَّا يُقَالُ مِنْ طَرَفِ الْخَصْمِ لَيْسَ مَوْتُ الْمُكَاتَبِ كَمَوْتِ الْعَاقِدِ، لِأَنَّ الْعَقْدَ يَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُكَاتَبُ دُونَ الْعَاقِدِ، لِأَنَّ الْجَوَابَ عَنْهُ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ بِمَنْعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute