للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ (وَإِذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ عَادَ إلَى أَحْكَامِ الرِّقِّ) لِانْفِسَاخِ الْكِتَابَةِ (وَمَا كَانَ فِي يَدِهِ مِنْ الْأَكْسَابِ فَهُوَ لِمَوْلَاهُ) لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ كَانَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ أَوْ عَلَى مَوْلَاهُ وَقَدْ زَالَ التَّوَقُّفُ.

قَالَ (فَإِنْ مَاتَ الْمَكَاتِبُ وَلَهُ مَالٌ لَمْ تَنْفَسِخْ الْكِتَابَةُ وَقَضَى مَا عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ وَحَكَمَ بِعِتْقِهِ فِي آخَرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ وَمَا بَقِيَ فَهُوَ مِيرَاثٌ لِوَرَثَتِهِ وَيَعْتِقُ أَوْلَادُهُ) وَهَذَا قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ ، وَبِهِ أَخَذَ عُلَمَاؤُنَا . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : تَبْطُلُ الْكِتَابَةُ وَيَمُوتُ عَبْدًا وَمَا تَرَكَهُ لِمَوْلَاهُ، وَإِمَامُهُ فِي ذَلِكَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْكِتَابَةِ عِتْقُهُ وَقَدْ تَعَذَّرَ إثْبَاتُهُ فَتَبْطُلُ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَثْبُتَ بَعْدَ الْمَمَاتِ مَقْصُودًا أَوْ يَثْبُتَ

- بِأَنَّ الْأَثَرَ الْمَرْوِيَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَلَى مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ يُعَارِضُهُ فَسَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِهَا: أَيْ بِالْآثَارِ لِلتَّعَارُضِ، لِأَنَّ الْآثَارَ إذَا تَعَارَضَتْ وَجُهِلَ التَّارِيخُ سَقَطَتْ فَيُصَارُ إلَى مَا بَعْدَهَا مِنْ الْحُجَّةِ فَيَبْقَى مَا قَالَاهُ مِنْ الدَّلِيلِ بِأَنَّ سَبَبَ الْفَسْخِ قَدْ تَحَقَّقَ إلَخْ سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ فَيَثْبُتُ الْفَسْخُ بِهِ، كَذَا فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ.

أَقُولُ: هُنَا إشْكَالٌ، لِأَنَّ مَا قَالَاهُ مِنْ الدَّلِيلِ الْمَعْقُولِ رَاجِعٌ إلَى الْقِيَاسِ عَلَى مُقْتَضَى مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ عِنْدَ بَيَانِ انْحِصَارِ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ فِي الْأَرْبَعَةِ مِنْ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِالْمَعْقُولِ رَاجِعٌ إلَى الْقِيَاسِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ هَاهُنَا أَيْضًا حَيْثُ قَالَ: إنَّ الْآثَارَ مُتَعَارِضَةٌ وَالتَّارِيخُ مَجْهُولٌ فَيُصَارُ إلَى مَا بَعْدَهَا مِنْ الدَّلِيلِ وَهُوَ الْقِيَاسُ انْتَهَى.

وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَيْضًا أَنَّ الْقِيَاسَ لَا يَجْرِي فِي الْمَقَادِيرِ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ قَبِيلِ الْمَقَادِيرِ كَمَا أَفْصَحَ عَنْهُ كَثِيرٌ مِنْ الشُّرَّاحِ حَيْثُ قَالُوا: وَمَا رَوَيْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ كَالْمَرْوِيِّ عَنْ النَّبِيِّ ، لِأَنَّ مَا يَقُولُهُ الصَّحَابِيُّ مِنْ الْمَقَادِيرِ يُحْمَلُ عَلَى السَّمَاعِ لِأَنَّهُ لَا يُدْرِكُهُ الْقِيَاسُ انْتَهَى.

فَإِذَا تَعَارَضَتْ الْآثَارُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَتَسَاقَطَتْ كَمَا قَالُوا وَلَمْ يَصِحَّ الْقِيَاسُ فِي الْمَقَادِيرِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ فَكَيْفَ يَنْتَهِضُ مَا قَالَاهُ مِنْ الدَّلِيلِ الْمَعْقُولِ الَّذِي مَرْجِعُهُ إلَى الْقِيَاسِ حُجَّةً لَهُمَا فِي إثْبَاتِ مَا ذَهَبَا إلَيْهِ فِي جَوَابِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ

(قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَبْطُلُ الْكِتَابَةُ وَيَمُوتُ عَبْدًا. وَمَا تَرَكَهُ لِمَوْلَاهُ وَإِمَامُهُ فِي ذَلِكَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْكِتَابَةِ عِتْقُهُ وَقَدْ تَعَذَّرَ إثْبَاتُهُ فَتَبْطُلُ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَحَلِّ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَبْطُلُ الْكِتَابَةُ وَيَمُوتُ عَبْدًا وَمَا تَرَكَهُ فَلِمَوْلَاهُ، وَهُوَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِالْمَعْقُولِ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْكِتَابَةِ عِتْقُهُ وَعِتْقُهُ بَاطِلٌ وَالْمَقْصُودُ مِنْهَا كَذَلِكَ انْتَهَى.

وَرَدَّ عَلَيْهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِأَنَّ قَوْلَهُ وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِالْمَعْقُولِ إلَخْ لَا يُطَابِقُ الْمَشْرُوحَ لِدَلَالَتِهِ، عَلَى أَنَّهُ اسْتَدَلَّ بِأَثَرِ زَيْدٍ وَبِالْمَعْقُولِ حَيْثُ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْوَاوِ الْعَاطِفَةُ انْتَهَى.

أَقُولُ: بَلْ هُوَ مُطَابِقٌ لِلْمَشْرُوحِ فَإِنَّ الْوَاوَ فِي قَوْلِهِ وَاسْتَدَلَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>