ذَلِكَ فَيَرْجِعُونَ.
قَالَ (مَنْ تَزَوَّجَ مِنْ الْعَجَمِ بِمُعْتَقَةٍ مِنْ الْعَرَبِ فَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلَادًا) فَوَلَاءُ أَوْلَادِهَا لِمَوَالِيهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ ﵀. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: حُكْمُهُ حُكْمُ أَبِيهِ، لِأَنَّ النَّسَبَ إلَى الْأَبِ كَمَا إذَا كَانَ الْأَبُ عَرَبِيًّا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْأَبُ عَبْدًا لِأَنَّهُ هَالِكٌ مَعْنًى
جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ، فَعَلَى هَذَا يَتَعَيَّنُ تَقَدُّمُ عِتْقِ الْأَبِ عَلَى عِتْقِ الْأُمِّ فِيمَا صَوَّرَهُ أَيْضًا. وَثَانِيهِمَا مَذْهَبُ الْبَعْضِ وَهُوَ أَنَّهُ يَعْتِقُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَنْزِلَ حَيًّا تَقْدِيرًا فِي حَقِّ الْأَدَاءِ كَمَا يَنْزِلُ الْمَيِّتُ حَيًّا فِي حَقِّ التَّجْهِيزِ وَالتَّكْفِينِ، فَعَلَى هَذَا أَنَّ اللَّازِمَ فِيمَا صَوَّرَهُ أَيْضًا اعْتِبَارُ عِتْقِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ لَا اعْتِبَارُ عِتْقِهِ بَعْدَ عِتْقِ امْرَأَتِهِ الْمُعْتَدَّةِ عَنْ مَوْتِهِ حَتَّى يَتَأَخَّرَ عِتْقُهَا عَنْ عِتْقِهِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُفْرَضَ تَحَقُّقُ الْأَدَاءِ عَمَّا تَرَكَهُ الْمُكَاتَبُ وَفَاءً بَعْدَمَا أُعْتِقَتْ امْرَأَتُهُ وَيُعْتَبَرُ عِتْقُهُ حِينَ تَحَقُّقِ الْأَدَاءِ بَعْدَ الْمَوْتِ عَلَى مَذْهَبِ الْبَعْضِ فَتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْأَبُ عَبْدًا لِأَنَّهُ هَالِكٌ مَعْنًى) لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا، وَلِأَنَّ الرِّقَّ أَثَرُ الْكُفْرِ وَالْكُفْرُ مَوْتٌ حُكْمِيٌّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ﴾ أَيْ كَافِرًا فَهَدَيْنَاهُ، فَصَارَ هَذَا الْوَلَدُ كَأَنَّهُ لَا أَبَ لَهُ فَيُنْسَبُ إلَى مَوَالِي الْأُمِّ ضَرُورَةً، كَذَا فِي الشُّرُوحِ.
أَقُولُ: هَاهُنَا شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِكَوْنِ الْعَبْدِ هَالِكًا مَعْنَى أَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَيِّتِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِمْ لِأَنَّ الرِّقَّ مِنْ أَثَرِ الْكُفْرِ، وَالْكُفْرُ مَوْتٌ حُكْمِيٌّ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ مُجَرَّدَ مَوْتِ الْأَبِ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْوَلَاءِ لِمَوَالِيهِ، بَلْ إنَّمَا يَظْهَرُ أَثَرُ الْوَلَاءِ لَهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِ، إذْ عِنْدَ حَيَاتِهِ هُوَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّهُ فِي حُكْمِ مَجْهُولِ الْأُبُوَّةِ وَأَنَّ وَلَدَهُ فِي حُكْمِ مَجْهُولِ النَّسَبِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ قَوْلِهِمْ فَصَارَ هَذَا الْوَلَدُ كَأَنَّهُ لَا أَبَ لَهُ يُتَّجَهُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ حِينَئِذٍ أَنْ لَا يَرِثَ مِنْ هَذَا الْوَلَدِ مَنْ يَنْتَمِي إلَيْهِ بِأَبِيهِ الْعَبْدِ مِنْ الْأَقَارِبِ الْأَحْرَارِ كَالْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَبْقَى أَبُوهُ ذَلِكَ عَبْدًا لِكَوْنِهِ فِي حُكْمِ مَجْهُولِ النَّسَبِ عَلَى الْفَرْضِ الْمَزْبُورِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ كَذَلِكَ إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي كُتُبِ الْفَرَائِضِ أَنَّ الْمَحْرُومَ عَنْ الْمِيرَاثِ كَالْكَافِرِ وَالْقَاتِلِ وَالرَّقِيقُ لَا يَحْجُبُ مَنْ هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا جَمِيعًا، بَلْ يَرِثُ الْأَبْعَدُ عِنْدَ حِرْمَانِ الْأَقْرَبِ، فَالْأَوْلَى هَاهُنَا أَنْ يُقَالَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْأَبُ عَبْدًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute