للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَيْثُ شَاءَ، وَالصَّرْفُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ ضَرُورَةُ عَدَمِ الْمُسْتَحِقِّ لَا أَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ.

قَالَ (وَإِنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ فَهُوَ أَوْلَى مِنْهُ، وَإِنْ كَانَتْ عَمَّةٌ أَوْ خَالَةٌ أَوْ غَيْرُهُمَا مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ) لِأَنَّ الْمُوَالَاةَ عَقْدُهُمَا فَلَا يَلْزَمُ غَيْرُهُمَا، وَذُو الرَّحِمِ وَارِثٌ، وَلَا بُدَّ مِنْ شَرْطِ الْإِرْثِ وَالْعَقْلِ كَمَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ لِأَنَّهُ بِالِالْتِزَامِ وَهُوَ بِالشَّرْطِ، وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ لَا يَكُونَ الْمَوْلَى مِنْ الْعَرَبِ لِأَنَّ تَنَاصُرَهُمْ بِالْقَبَائِلِ فَأَغْنَى عَنْ الْمُوَالَاةِ. قَالَ (وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْهُ بِوَلَائِهِ إلَى غَيْرِهِ

لَهُ وَلَاءُ عَتَاقَةٍ وَلَا وَلَاءُ مُوَالَاةٍ مَعَ أَحَدٍ وَقَدْ عَقَلَ عَنْهُ.

وَالثَّالِثَةُ أَنْ لَا يَكُونَ عَرَبِيًّا انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ كَلَامٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الشَّرِيطَةَ الْأُولَى تُغْنِي عَنْ الشَّرِيطَةِ الثَّالِثَةِ، إذْ لَا جَهَالَةَ فِي نَسَبِ الْعَرَبِ فَيَظْهَرُ بِاشْتِرَاطِ كَوْنِ الْمُوَالِي مَجْهُولَ النَّسَبِ اشْتِرَاطُ أَنْ لَا يَكُونَ عَرَبِيًّا، إلَّا أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ الثَّالِثَةِ اسْتِقْلَالٌ مِنْ قَبِيلِ التَّصْرِيحِ بِمَا عُلِمَ الْتِزَامًا.

وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ حَصْرُ شَرَائِطِ الْوَلَاءِ فِي هَذِهِ الثَّلَاثِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ ذِكْرِ الْعَدَدِ فِي أَمْثَالِ هَذَا الْمَقَامِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، إذْ مِنْ شَرَائِطِهِ أَيْضًا شَرْطُ الْإِرْثِ وَالْعَقْلُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِيمَا بَعْدُ حَيْثُ قَالَ: وَلَا بُدَّ مِنْ شَرْطِ الْإِرْثِ وَالْعَقْلِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي أَيْضًا حَيْثُ قَالَ: وَإِنَّمَا يَصِحُّ وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ بِشَرَائِطَ: مِنْهَا أَنْ يُشْتَرَطَ الْمِيرَاثُ وَالْعَقْلُ، وَصَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ: وَلَهُ شَرَائِطُ، وَعَدَّ مِنْهَا أَنْ يُشْتَرَطَ الْإِرْثُ وَالْعَقْلُ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ حَصْرَ شَرَائِطِهِ فِي هَذِهِ الثَّلَاثِ يَكُونُ تَخْصِيصُ هَذِهِ الثَّلَاثِ بِالذِّكْرِ خَالِيًا عَنْ الْفَائِدَةِ وَيَكُونُ ذِكْرُ الْعَدَدِ عَبَثًا، وَلَا يَكُونُ لِلسُّؤَالِ وَالْجَوَابِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا صَاحِبُ الْعِنَايَةِ مُتَّصِلًا بِذَلِكَ كَمَا سَتَعْرِفُهُمَا وَجْهٌ لِأَنَّ مَدَارَهُمَا عَلَى إرَادَةِ الْحَصْرِ وَإِلَّا لَا يَتَوَجَّهُ ذَلِكَ السُّؤَالُ رَأْسًا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْجَوَابِ عَنْهُ أَصْلًا.

وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ: مِنْ شَرْطِ الْعَقْدِ عَقْلُ الْأَعْلَى وَحُرِّيَّتُهُ فَإِنَّ مُوَالَاةَ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ بَاطِلَةٌ فَكَيْفَ جَعَلَ الشَّرَائِطَ ثَلَاثًا. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَذْكُورَةَ إنَّمَا هِيَ الشَّرَائِطُ الْعَامَّةُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهَا فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الصُّوَرِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْت فَإِنَّمَا هُوَ نَادِرٌ فَلَمْ يَذْكُرْهُ. أَقُولُ: فِي هَذَا الْجَوَابِ خَلَلٌ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ عَقْلِ الْأَعْلَى وَحُرِّيَّتِهِ أَيْضًا مِنْ الشَّرَائِطِ الْعَامَّةِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهَا فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ صُوَرِ الْمُوَالَاةِ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ عَقْدَ الْمُوَالَاةِ لَا يَصِحُّ بِدُونِ عَقْلِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي شَيْءٍ مِنْ الصُّوَرِ، إذْ لَا يُتَصَوَّرُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ بِدُونِ الْعَقْلِ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ مُوَالَاةُ الْعَبْدِ أَصْلًا بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ وَإِنَّ أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ فِي الْقَبُولِ كَانَ عَقْدُهُ كَعَقْدِ مَوْلَاهُ فَيَكُونُ الْوَلَاءُ لِلْمَوْلَى، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ وَأَمَّا مَا ذَكَرْتُ فَإِنَّمَا هُوَ نَادِرٌ فَلَمْ يَذْكُرْهُ.

ثُمَّ إنَّ فِي تَقْرِيرِ السُّؤَالِ أَيْضًا خَلَلًا، فَإِنَّ تَقْيِيدَ الْعَقْلِ بِعَقْلِ الْأَعْلَى فِي قَوْلِهِ مِنْ شَرْطِ الْعَقْدِ عَقْلُ الْأَعْلَى مِمَّا لَا وَجْهَ لَهُ، لِأَنَّ عَقْلَ الْأَسْفَلِ أَيْضًا شَرْطُ الْعَقْدِ، إذْ لَا يُتَصَوَّرُ الْإِيجَابُ بِدُونِ الْعَقْلِ كَمَا لَا يُتَصَوَّرُ الْقَبُولُ بِدُونِهِ، وَقَدْ أَفْصَحَ عَنْهُ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا شَرَائِطُ عَقْدِ الْمُوَالَاةِ فَمِنْهَا عَقْلُ الْعَاقِدَيْنِ، إذْ لَا صِحَّةَ لِلْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بِدُونِ الْعَقْلِ انْتَهَى.

وَكَذَا تَقْيِيدُ الْحُرِّيَّةِ بِالْإِضَافَةِ إلَى ضَمِيرِ الْأَعْلَى فِي قَوْلِهِ وَحُرِّيَّتِهِ مِمَّا لَا وَجْهَ لَهُ، إذْ حُرِّيَّةُ الْأَسْفَلِ أَيْضًا شَرْطٌ بَلْ هِيَ أَظْهَرُ اشْتِرَاطًا مِنْ حُرِّيَّةِ الْأَعْلَى لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إيجَابُ الْعَبْدِ عَقْدَ الْمُوَالَاةِ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ فِي ذَلِكَ، وَيَجُوزُ قَبُولُهُ إيَّاهُ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ وَيَصِيرُ الْوَلَاءُ لِمَوْلَاهُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَأَيْضًا لَا وَجْهَ لِتَرْكِ ذِكْرِ الْبُلُوغِ فِي أَثْنَاءِ تَقْرِيرِ السُّؤَالِ فَإِنَّهُ مِنْ شَرْطِ عَقْدِ الْمُوَالَاةِ كَالْعَقْلِ وَالْحُرِّيَّةِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْبَدَائِعِ مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ فَإِنَّ مُوَالَاةَ الصَّبِيِّ فِي وَقَوْلِهِ فَإِنَّ مُوَالَاةَ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ بَاطِلَةٌ أَوْفَقُ بِاشْتِرَاطِ الْبُلُوغِ مِنْ اشْتِرَاطِ الْعَقْلِ، فَإِنَّ الصَّبِيَّ قَدْ يَكُونُ عَاقِلًا فَلَمْ يَكُنْ بُطْلَانُ مُوَالَاتِهِ لِعَدَمِ عَقْلِهِ بَلْ كَانَ لِعَدَمِ بُلُوغِهِ كَمَا لَا يَخْفَى

(قَوْلُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ شَرْطِ الْإِرْثِ وَالْعَقْلِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ) أَشَارَ بِهِ إلَى مَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ بِقَوْلِهِ: وَإِذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ عَلَى يَدِ رَجُلٍ وَوَالَاهُ عَلَى أَنْ يَرِثَهُ وَيَعْقِلَ عَنْهُ، وَقَدْ مَرَّ مِنْ قَبْلُ. وَاعْتَرَضَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ

<<  <  ج: ص:  >  >>