مَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ) لِأَنَّهُ عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ، وَكَذَا لِلْأَعْلَى أَنْ يَتَبَرَّأَ عَنْ وَلَائِهِ لِعَدَمِ اللُّزُومِ، إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي هَذَا أَنْ يَكُونَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الْآخَرِ كَمَا فِي عَزْلِ الْوَكِيلِ قَصْدًا، بِخِلَافِ مَا إذَا عَقَدَ الْأَسْفَلُ مَعَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ
عَلَى وُجُوبِ اشْتِرَاطِ الْإِرْثِ وَالْعَقْلِ فِي صِحَّةِ عَقْدِ الْمُوَالَاةِ حَيْثُ قَالَ: قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِ الْكَافِي: قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: إذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ عَلَى يَدِ رَجُلٍ وَوَالَاهُ فَإِنَّهُ يَرِثُهُ وَيَعْقِلُ عَنْهُ، وَلَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ بِوَلَائِهِ إلَى غَيْرِهِ مَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ، فَإِذَا عَقَلَ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ إلَى غَيْرِهِ.
وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، هَذَا لَفْظُ الْكَافِي بِعَيْنِهِ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ شَرْطَ الْإِرْثِ وَالْعَقْلِ لَيْسَ بِمَوْقُوفٍ عَلَيْهِ صِحَّةُ الْمُوَالَاةِ بَلْ مُجَرَّدُ الْعَقْدِ كَافٍ بِأَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا وَالَيْتُك وَالْآخَرُ قَبِلْت، لِأَنَّ الْحَاكِمَ لَمْ يَذْكُرْ الْإِرْثَ وَالْعَقْلَ شَرْطًا لِصِحَّةِ الْمُوَالَاةِ بَلْ جَعَلَهُمَا حُكْمًا لَهَا بَعْدَ صِحَّتِهَا فَافْهَمْ.
وَيَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا قَوْلُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ: أَوْ أَسْلَمَ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ وَوَالَاهُ. يُوَضِّحُهُ قَوْلُ صَاحِبِ التُّحْفَةِ: وَتَفْسِيرُ عَقْدِ الْمُوَالَاةِ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدِ رَجُلٍ وَقَالَ لَهُ أَنْتَ مَوْلَايَ تَرِثُنِي إذَا مِتَّ وَتَعْقِلُ عَنِّي إذَا جَنَيْتُ وَقَالَ الْآخَرُ قَبِلْت فَيَنْعَقِدُ بَيْنَهُمَا عَقْدُ الْمُوَالَاةِ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ وَالتَّيْكَ وَالْآخَرُ قَبِلْت، وَكَذَا إذَا عَقَدَ مَعَ رَجُلٍ غَيْرِ الَّذِي أَسْلَمَ عَلَى يَدِهِ، إلَى هُنَا لَفْظُ التُّحْفَةِ انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ الْغَايَةِ. أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ أَنَّ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرَهُ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْإِرْثِ وَالْعَقْلِ فِي صِحَّةِ الْمُوَالَاةِ.
أَمَّا مَا نَقَلَهُ عَنْ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ فَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَدَمُ وُقُوعِ الصَّرِيحِ بِاشْتِرَاطِهِمَا هُنَاكَ بِنَاءً عَلَى ظُهُورِ تَضَمُّنِ الْمُوَالَاةِ اشْتِرَاطَهُمَا، فَيَكُونُ قَوْلُهُ وَوَلَاءٌ فِي قَوْلِهِ إذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ عَلَى يَدِ رَجُلٍ وَوَالَاهُ مُغْنِيًا عَنْ ذِكْرِ ذَلِكَ فَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا وَالَيْتُك وَالْآخَرُ قَبِلْت كَافٍ فِي تَمَامِ عَقْدِ الْمُوَالَاةِ، وَجَعْلُ نَفْسِ الْإِرْثِ وَالْعَقْلِ حُكْمًا لِلْمُوَالَاةِ لَا يُنَافِي كَوْنَ ذِكْرِهِمَا فِي الْعَقْدِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْعَقْد كَمَا لَا يَخْفَى.
وَأَمَّا قَوْلُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ أَوْ أَسْلَمَ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ وَوَالَاهُ فَلِأَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ مُرَادَ الْقُدُورِيِّ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ بَيَانُ أَنَّ الْإِسْلَامَ عَلَى يَدِهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِيهَا. وَأَمَّا قَوْلُ صَاحِبِ التُّحْفَةِ: فَلِأَنَّ مَحِلَّ تَوَهُّمِ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْإِرْثِ وَالْعَقْلِ إنَّمَا هُوَ قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ وَالَيْتُكَ وَالْآخَرُ قَبِلْت، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِذَلِكَ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ وَالَيْتُكَ بَدَلَ قَوْلِهِ أَنْتَ مَوْلَايَ فَقَطْ لَا بَدَلَ مَجْمُوعِ قَوْلِهِ أَنْتَ مَوْلَايَ تَرِثُنِي إذَا مِتَّ وَتَعْقِلُ عَنِّي إذَا جَنَيْتُ فَلَا دَلَالَةَ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِهِمَا. وَبِالْجُمْلَةِ إنَّ عَدَمَ التَّصْرِيحِ بِشَرْطٍ عِنْدَ تَفْسِيرِ عَقْدِ الْمُوَالَاةِ وَبَيَانِ صُورَةِ الْمُوَالَاةِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ، إذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَدَمُ التَّصْرِيحِ بِهِ بِنَاءً عَلَى ظُهُورِهِ مِنْ بَيَانِهِمْ إيَّاهُ عَلَى الِاسْتِقْلَالِ، أَلَا يُرَى أَنَّ لِصِحَّةِ عَقْدِ الْمُوَالَاةِ شَرَائِطَ كَثِيرَةً، كَكَوْنِ الْمُوَالِي مَجْهُولَ النَّسَبِ، وَكَوْنِهِ غَيْرَ مُعْتَقٍ، وَكَوْنِهِ غَيْرَ عَرَبِيٍّ وَغَيْرِ ذَلِكَ، مَعَ أَنَّهُمْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ تَفْسِيرِ عَقْدِ الْمُوَالَاةِ وَبَيَانِ صُورَتِهِ.
(قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي هَذَا أَنْ يَكُونَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الْآخَرِ كَمَا فِي عَزْلِ الْوَكِيلِ قَصْدًا) أَوْرَدَ عَلَيْهِ بِأَنَّ سَبَبَ اشْتِرَاطِ حَضْرَةِ الْوَكِيلِ فِي حَقِّ الْعَزْلِ ظَاهِرٌ، وَهُوَ تَضَرُّرُ الْوَكِيلِ بِسَبَبِ الضَّمَانِ عِنْدَ رُجُوعِ الْحُقُوقِ عَلَيْهِ إذَا كَانَ نَقَدَ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute