للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَخَافُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ) لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ لِمَا مَرَّ، فَفِي الْكُفْرِ وَحُرْمَتُهُ أَشَدُّ أَوْلَى وَأَحْرَى. قَالَ (وَإِذَا خَافَ عَلَى ذَلِكَ وَسِعَهُ أَنْ يُظْهِرَ مَا أَمَرُوهُ بِهِ وَيُوَرِّي، فَإِنْ أَظْهَرَ ذَلِكَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ) لِحَدِيثِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ حَيْثُ اُبْتُلِيَ بِهِ، وَقَدْ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ «كَيْفَ وَجَدْت قَلْبَك؟ قَالَ مُطْمَئِنًّا بِالْإِيمَانِ، فَقَالَ : فَإِنْ عَادُوا فَعُدْ، وَفِيهِ نَزَلَ قَوْله تَعَالَى ﴿إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ﴾» الْآيَةَ

أَنَّ الْحُكْمَ بِالْإِثْمِ عَلَى تَقْدِيرِ الصَّبْرِ، وَتَرْكُ الْأَكْلِ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ، بَلْ فِيمَا إذَا عَلِمَ بِالْإِبَاحَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ.

وَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهَا فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ فِي تَرْكِهِ لِكَوْنِهِ مَعْذُورًا بِالْجَهْلِ فِي أَمْثَالِ هَذَا بِنَاءً عَلَى الْخَفَاءِ

(قَوْلُهُ فَقَالَ «فَإِنْ عَادُوا فَعُدْ» إلَخْ) قَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ: مَعْنَى قَوْلِهِ «فَإِنْ عَادُوا فَعُدْ» إنْ عَادُوا إلَى الْإِكْرَاهِ فَعُدْ إلَى طُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ لَا إلَى إجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ وَالطُّمَأْنِينَةِ جَمِيعًا كَمَا زَعَمَهُ الْبَعْضُ، لِأَنَّ أَدْنَى دَرَجَاتِ الْأَمْرِ الْإِبَاحَةُ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ إجْرَاءُ كَلِمَةِ الْكُفْرِ مُبَاحًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا تَنْكَشِفُ حُرْمَتُهُ أَصْلًا انْتَهَى.

وَعَزَاهُ فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ إلَى مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِأَنْ قَالَ: فِيهِ بَحْثٌ، فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْأَمْرُ لِلتَّرْخِيصِ. قَالَ الْعَلَّامَةُ النَّسَفِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّلَاقِ مِنْ الْكَافِي: الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ لَا يَنْفِي الْحَظْرَ، فَإِنَّ الْمَحْظُورَ قَدْ يُرَخَّصُ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ حَتَّى لَا يَقَعَ فِي مَحْظُورٍ فَوْقَهُ كَالْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ وَقَطْعِ الصَّلَاةِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ هُنَاكَ، فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا ذَكَرَهُ هُنَا كَذَلِكَ انْتَهَى.

أَقُولُ: مُرَادُ الشُّرَّاحِ أَنَّ أَدْنَى دَرَجَاتِ مَا اسْتَعْمَلَ فِيهِ صِيغَةَ الْأَمْرِ حَقِيقَةً هُوَ الْإِبَاحَةُ، وَإِنَّمَا تُسْتَعْمَلُ فِي التَّرْخِيصِ وَنَحْوِهِ مَجَازًا، وَلَا بُدَّ فِي الْمَجَازِ مِنْ قَرِينَةٍ صَارِفَةٍ عَنْ الْحَمْلِ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَمْ تُوجَدْ الْقَرِينَةُ فَلَا جَرْمَ نَحْمِلُهَا عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَحَقِيقَةُ الْأَمْرِ إنَّمَا تُتَصَوَّرُ هَاهُنَا بِصَرْفِ الْإِعَادَةِ إلَى الطُّمَأْنِينَةِ دُونَ إجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ لِمَا بَيَّنُوا.

وَعَنْ هَذَا قَالَ الْعَلَّامَةُ النَّسَفِيُّ هَاهُنَا أَيْ عُدْ إلَى طُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ بِالْإِيمَانِ وَمَا قِيلَ فَعُدْ إلَى مَا كَانَ مِنْك مِنْ النَّيْلِ مِنِّي وَذِكْرِ آلِهَتِهِمْ بِخَيْرِ فَغَلَطٌ، لِأَنَّهُ لَا يُظَنُّ بِرَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ يَأْمُرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>