للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا، وَلَا سِعَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ لِأَنَّ السِّعَايَةَ إنَّمَا تَجِبُ لِلتَّخْرِيجِ إلَى الْحُرِّيَّةِ أَوْ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا،

أَلْبَتَّةَ، وَإِنَّمَا يُنَافِيهِ عَكْسُ ذَلِكَ وَهُوَ أَنْ يَثْبُتَ الْإِعْتَاقُ بِدُونِ التَّلَفُّظِ، وَهَذَا غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ فِي صُورَةِ إعْتَاقِ الصَّبِيِّ فَلَمْ يَتِمَّ التَّمْثِيلُ وَلَا التَّقْرِيبُ.

وَكَأَنَّ بَعْضَ الْفُضَلَاءِ تَنَبَّهَ لِهَذَا حَيْثُ قَالَ: فِيهِ تَأَمُّلٌ، فَإِنَّ الَّذِي يَهُمُّنَا ثُبُوتُ الْإِعْتَاقِ لَا فِي ضِمْنِ التَّكَلُّمِ كَمَا إذَا وَرِثَ الْقَرِيبَ اهـ. أَقُولُ: لَكِنْ فِيهِ أَيْضًا خَلَلٌ، فَإِنَّ الثَّابِتَ فِي صُورَةِ إنْ وَرِثَ الْقَرِيبَ إنَّمَا هُوَ الْعِتْقُ دُونَ الْإِعْتَاقِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ قَاطِبَةً، وَقَدْ مَرَّ فِي كِتَابِ الْوَلَاءِ مُفَصَّلًا، وَالْكَلَامُ هَاهُنَا فِي الْإِعْتَاقِ دُونَ مُجَرَّدِ الْعِتْقِ كَمَا لَا يَخْفَى، فَلَا يَتِمُّ التَّمْثِيلُ بِتِلْكَ الصُّورَةِ أَيْضًا وَلَا التَّقْرِيبُ.

ثُمَّ أَقُولُ: لَا فَائِدَةَ لِحَدِيثِ الِانْفِكَاكِ أَصْلًا فِي الْجَوَابِ هَاهُنَا فَإِنَّ كَوْنَ ثُبُوتِ الْإِتْلَافِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فِي ضِمْنِ التَّلَفُّظِ أَمْرٌ مُقَرَّرٌ لَا يَقْبَلُ الْإِنْكَارَ، فَيَكُونُ مَدَارُ الْوُرُودِ السُّؤَالَ الْمَذْكُورَ لَا مَحَالَةَ، وَلَا يُجْدِي شَيْئًا فِي دَفْعِهِ انْفِكَاكُ الْإِتْلَافِ عَنْ التَّلَفُّظِ فِي صُورَةٍ أُخْرَى.

فَالْحَقُّ عِنْدِي فِي الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ صَلَاحِيَّةِ الْمُكْرَهِ لِلْآلِيَّةِ فِي حَقِّ التَّلَفُّظِ عَدَمُ صَلَاحِيَّتِهِ لَهَا فِي حَقِّ مَا ثَبَتَ فِي ضِمْنِهِ وَهُوَ الْإِتْلَافُ، لِأَنَّ عَدَمَ صَلَاحِيَّتِهِ لَهَا فِي حَقِّ التَّلَفُّظِ لِعِلَّةِ امْتِنَاعِ التَّكَلُّمِ بِلِسَانِ الْغَيْرِ، وَهِيَ غَيْرُ مُتَحَقِّقَةٍ فِي حَقِّ مَا ثَبَتَ فِي ضِمْنِهِ مِنْ الْإِتْلَافِ، فَإِنَّ الْمُكْرِهَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمُكْرَهَ وَيُلْقِيَهُ عَلَى الْمَالِ فَيُتْلِفَهُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِيمَا مَرَّ (قَوْلُهُ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا) لِأَنَّهُ ضَمَانُ إتْلَافٍ فَلَا يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ. كَذَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يُضَمَّنَ الْمُكْرِهُ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ بِعِوَضٍ حَصَلَ لِلْمُكْرَهِ وَهُوَ الْوَلَاءُ، وَالْإِتْلَافُ بِعِوَضٍ كَلَا إتْلَافَ.

أُجِيبَ بِأَنَّ الْإِتْلَافَ بِعِوَضٍ إنَّمَا يَكُونُ كَلَا إتْلَافَ إذَا كَانَ الْعِوَضُ مَالًا، كَمَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَكْلِ طَعَامِ الْغَيْرِ فَأَكَلَ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُكْرِهِ لِأَنَّهُ حَصَلَ لِلْمُكْرَهِ عِوَضٌ، أَوْ كَانَ فِي حُكْمِ الْمَالِ كَمَا فِي مَنَافِعِ الْبُضْعِ إذَا أَتْلَفَهَا مُكْرَهًا، لِأَنَّ مَنَافِعَهُ تُعَدُّ مَالًا عِنْدَ الدُّخُولِ، وَالْوَلَاءُ لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ النَّسَبِ، أَلَا تَرَى أَنَّ شَاهِدَيْ الْوَلَاءِ إذَا رَجَعَا لَا يَضْمَنَانِ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ.

أَقُولُ: هَذَا الْجَوَابُ يُشْكِلُ بِمَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى شِرَاءِ ذِي رَحِمٍ مِنْهُ فَعَتَقَ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْمُكْرَهَ لَا يَرْجِعُ هُنَاكَ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ عَلَى الْمُكْرِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ حَصَلَ لَهُ عِوَضٌ هُوَ صِلَةُ الرَّحِمِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبَدَائِعِ، وَلَا يَذْهَبُ عَلَيْكَ أَنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ لَيْسَتْ بِمَالٍ كَالْوَلَاءِ، أَمَّا حَقِيقَةً فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا حُكْمًا فَلِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ كَمَا قَالُوا فِي مَنَافِعِ الْبُضْعِ عِنْدَ الدُّخُولِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَا سِعَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ لِأَنَّ السِّعَايَةَ إنَّمَا تَجِبُ لِلتَّخْرِيجِ إلَى الْحُرِّيَّةِ أَوْ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا) بِخِلَافِ الْمَرِيضِ إذَا أَعْتَقَ

<<  <  ج: ص:  >  >>