للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِالشُّبُهَاتِ كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ) فَيُجْعَلُ عَدَمُ الْقَصْدِ فِي ذَلِكَ شُبْهَةً فِي حَقِّ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ.

قَالَ (وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ لَا تَصِحُّ عُقُودُهُمَا وَلَا إقْرَارُهُمَا) لِمَا بَيَّنَّا (وَلَا يَقَعُ طَلَاقُهُمَا وَلَا عَتَاقُهُمَا) لِقَوْلِهِ «كُلُّ طَلَاقٍ وَاقِعٌ إلَّا طَلَاقَ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ» وَالْإِعْتَاقُ يَتَمَحَّضُ مَضَرَّةً، وَلَا وُقُوفَ لِلصَّبِيِّ عَلَى الْمَصْلَحَةِ فِي الطَّلَاقِ بِحَالٍ لِعَدَمِ الشَّهْوَةِ، وَلَا وُقُوفَ لِلْوَلِيِّ عَلَى عَدَمِ التَّوَافُقِ عَلَى اعْتِبَارِ بُلُوغِهِ حَدَّ الشَّهْوَةِ، فَلِهَذَا

فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَصْدِ؛ أَلَا يُرَى أَنَّ الْقَوْلَ مِنْ الْحُرِّ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ إذَا وُجِدَ هَزْلًا لَمْ يُعْتَبَرْ شَرْعًا فَكَذَا مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، بِخِلَافِ الْأَفْعَالِ فَإِنَّهَا حَيْثُ وَقَعَتْ وَقَعَتْ حَقِيقَةً فَلَا يُمْكِنُ تَبْدِيلُهَا انْتَهَى.

أَقُولُ: فِي كُلٍّ مِنْ وَجْهَيْ الْجَوَابِ نَظَرٌ. أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُتَمَشٍّ فِي الْإِنْشَاءَاتِ لِأَنَّهَا إيجَادَاتٌ لَا يُمْكِنُ تَخَلُّفُ مَدْلُولَاتِهَا عَنْهَا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ أَكْثَرَ الْأَقْوَالِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الشَّرْعِ فِي إفَادَةِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ قَبِيلِ الْإِنْشَاءَاتِ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ.

وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِأَنَّهُ مُنْتَقِضٌ بِمَا تَسَاوَى فِيهِ الْجَدُّ وَالْهَزْلُ مِنْ الْأَقْوَالِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَنَحْوِهِمَا تَدَبَّرْ تَفْهَمْ

(قَوْلُهُ وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ لَا تَصِحُّ عُقُودُهُمَا وَلَا إقْرَارُهُمَا إلَخْ) أَرَادَ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ عَدَمَ النَّفَاذِ لِمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ وَمَنْ بَاعَ مِنْ هَؤُلَاءِ شَيْئًا فَالْوَلِيُّ بِالْخِيَارِ، وَإِنَّمَا أَعَادَ الْمَسْأَلَةَ تَفْرِيعًا عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ أَنَّ هَذِهِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةَ تُوجِبُ الْحَجْرَ عَنْ الْأَقْوَالِ لِتَنْسَاقَ الْقَوْلِيَّاتُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَالنِّهَايَةِ.

قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ وَإِذَا أُرِيدَ بِالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ الصَّبِيُّ الْغَيْرُ الْعَاقِلِ وَالْمَجْنُونُ الْمَغْلُوبُ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَأْوِيلِ عَدَمِ الصِّحَّةِ بِعَدَمِ النَّفَاذِ، وَيَخْلُصُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَنْ وَصْمَةِ التَّكْرَارِ انْتَهَى.

وَقَدْ أُخِذَ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ آخِرِ كَلَامِ صَاحِبِ غَايَةِ الْبَيَانِ هَاهُنَا، فَإِنَّهُ قَالَ: أَرَادَ بِقَوْلِهِ لَا يَصِحُّ لَا يَنْفُذُ لِأَنَّ بَيْعَهُمَا وَسَائِرَ تَصَرُّفَاتِهِمَا الَّذِي يَتَرَدَّدُ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضُّرِّ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ، أَلَا يُرَى إلَى مَا قَالَ قَبْلَ هَذَا بِقَوْلِهِ وَمَنْ بَاعَ مِنْ هَؤُلَاءِ شَيْئًا وَهُوَ يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَيَقْصِدُهُ فَالْوَلِيُّ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ أَجَازَهُ، إلَّا إذَا أُرِيدَ بِقَوْلِهِ وَالصَّبِيُّ مَنْ لَا يَعْقِلُ أَصْلًا وَبِقَوْلِهِ وَالْمَجْنُونُ الَّذِي لَا يُفِيقُ أَصْلًا فَحِينَئِذٍ يَجْرِي قَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ عَلَى ظَاهِرِهِ انْتَهَى كَلَامُهُ.

أَقُولُ: لَا مَسَاغَ لِذَلِكَ الِاحْتِمَالِ لِأَنَّ حَمْلَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ فِي قَوْلِهِ وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ لَا تَصِحُّ عُقُودُهُمَا عَلَى الصَّبِيِّ الْغَيْرِ الْعَاقِلِ وَالْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ فَقَطْ مِمَّا لَا تُسَاعِدُهُ الْقَاعِدَةُ، فَإِنَّ الْمُعَرَّفَ فَاللَّامُ التَّعْرِيفِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَعْهُودٌ إنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى الْجِنْسِ فِي قَاعِدَةِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ، وَعَلَى الِاسْتِغْرَاقِ فِي قَاعِدَةِ أَهْلِ الْأُصُولِ كَمَا تَقَرَّرَ كُلُّهُ فِي مَوْضِعِهِ، فَهَاهُنَا الصَّبِيُّ الْغَيْرُ الْعَاقِلِ وَالْمَجْنُونُ الْمَغْلُوبُ لَمْ يُعْهَدَا بِخُصُوصِهِمَا قَطْعًا، فَلَا بُدَّ أَنْ يُرَادَ بِالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ الْمَذْكُورَيْنِ هَاهُنَا جِنْسُهُمَا أَوْ جَمِيعُ أَفْرَادِهِمَا عَلَى إحْدَى الْقَاعِدَتَيْنِ لَا حِصَّةٌ مَخْصُوصَةٌ مِنْهُمَا كَمَا تُوُهِّمَ.

وَلَئِنْ سُلِّمَ مُسَاعَدَةُ الْقَاعِدَةِ لِذَلِكَ، فَلَوْ أُرِيدَ بِهِمَا هَاهُنَا ذَلِكَ الْقِسْمُ الْمُعَيَّنُ مِنْهُمَا لَزِمَ أَنْ لَا تَكُونَ أَحْكَامُ عُقُودِ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ وَالْمَجْنُونِ الْغَيْرِ الْمَغْلُوبِ الَّذِي هُوَ الْمَعْتُوهُ وَلَا أَحْكَامُ إقْرَارِهِمَا وَطَلَاقِهِمَا وَعَتَاقِهِمَا مَذْكُورَةً فِي كِتَابِ الْحَجْرِ أَصْلًا، إذْ مَوْضِعُ ذِكْرِ تِلْكَ الْأَحْكَامِ هُنَا وَلَمْ تُذْكَرْ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ، فَيَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ مَتْرُوكَةً سُدًى وَلَا يَخْفَى فَسَادُهُ.

وَلَا يَخْتَلِجَنَّ فِي وَهْمِكَ أَنَّهَا تُفْهَمُ مِمَّا ذُكِرَ دَلَالَةً، لِأَنَّ سَبَبَ الْحَجْرِ فِي الصَّبِيِّ الْغَيْرِ الْعَاقِلِ وَالْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ أَقْوَى مِنْ سَبَبِهِ فِي غَيْرِهِمَا فَلَا يَدُلُّ عَدَمُ صِحَّةِ تَصَرُّفٍ فِي حَقِّهِمَا عَلَى عَدَمِ صِحَّتِهِ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ وَالْإِعْتَاقُ يَتَمَحَّضُ مَضَرَّةً، وَلَا وُقُوفَ لِلصَّبِيِّ عَلَى الْمَصْلَحَةِ فِي الطَّلَاقِ بِحَالٍ لِعَدَمِ الشَّهْوَةِ، وَلَا وُقُوفَ لِلْوَلِيِّ عَلَى عَدَمِ التَّوَافُقِ عَلَى اعْتِبَارِ بُلُوغِهِ حَدَّ الشَّهْوَةِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ: وَالْإِعْتَاقُ يَتَمَحَّضُ مَضَرَّةً لَا مَحَالَةَ، وَالطَّلَاقُ وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَتَرَدَّدَ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضُّرِّ بِاعْتِبَارِ مُوَافَقَةِ الْأَخْلَاقِ بَعْدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>