للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِأَنَّهُ مُبَذِّرٌ مَالَهُ بِصَرْفِهِ لَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَقْتَضِيه الْعَقْلُ فَيُحْجَرُ عَلَيْهِ نَظَرًا لَهُ اعْتِبَارًا بِالصَّبِيِّ بَلْ أَوْلَى، لِأَنَّ الثَّابِتَ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ احْتِمَالُ التَّبْذِيرِ وَفِي حَقِّهِ حَقِيقَتُهُ وَلِهَذَا مُنِعَ عَنْهُ الْمَالُ، ثُمَّ هُوَ لَا يُفِيدُ بِدُونِ الْحَجْرِ لِأَنَّهُ يُتْلِفُ بِلِسَانِهِ مَا مُنِعَ مِنْ يَدِهِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مُخَاطَبٌ عَاقِلٌ فَلَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ اعْتِبَارًا بِالرَّشِيدِ

وَقَوْلُهُ وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَجَبَ لَهَا النِّصْفُ، وَقَوْلُهُ وَتُخْرَجُ الزَّكَاةُ مِنْ مَالِ السَّفِيهِ وَيُنْفَقُ عَلَى أَوْلَادِهِ وَزَوْجَتِهِ وَمَنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ مِنْ ذَوِي أَرْحَامِهِ، وَقَوْلُهُ فَإِنْ أَرَادَ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْهَا، وَلَوْ أَرَادَ عُمْرَةً وَاحِدَةً لَمْ يُمْنَعْ مِنْهَا، وَقَوْلُهُ فَإِنْ مَرِضَ وَأَوْصَى بِوَصَايَا فِي الْقُرَبِ وَأَبْوَابِ الْخَيْرِ جَازَ ذَلِكَ فِي ثُلُثِ مَالِهِ، وَقَوْلُهُ وَلَا يُحْجَرُ الْفَاسِقُ عِنْدَنَا إذَا كَانَ مُصْلِحًا لِمَالِهِ.

وَإِنَّمَا الْمَسَائِلُ الْخِلَافِيَّةُ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ مِنْ مَسَائِلِ هَذَا الْبَابِ ثَلَاثٌ: ثِنْتَانِ مِنْهَا مَذْكُورَتَانِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْبِدَايَةِ: إحْدَاهُمَا مَسْأَلَةُ أَنَّهُ لَا يُحْجَرُ السَّفِيهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيُحْجَرُ عِنْدَهُمَا. وَأُخْرَاهُمَا مَسْأَلَةُ أَنَّ الْغُلَامَ الْبَالِغَ غَيْرَ رَشِيدٍ إذَا بَلَغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً يُسَلَّمُ إلَيْهِ مَالُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ لَمْ يُؤْنَسْ مِنْهُ الرُّشْدُ، وَعِنْدَهُمَا لَا يُدْفَعُ إلَيْهِ مَالُهُ أَبَدًا حَتَّى يُؤْنَسُ مِنْهُ رُشْدُهُ.

وَوَاحِدَةٌ مِنْهُمَا مَذْكُورَةٌ فِي آخِرِ الْبَابِ فِي الْهِدَايَةِ وَحْدَهَا وَهِيَ مَسْأَلَةُ أَنْ يَحْجُرَ الْقَاضِي بِسَبَبِ الْغَفْلَةِ عِنْدهمَا، وَمَعَ ذَلِكَ جُعِلَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ أَصْلًا فِي الذِّكْرِ وَقَوْلُهُمَا تَبَعًا لَهُ فَلَمْ يَبْقَ مِنْ مَسَائِلِ هَذَا الْبَابِ مَا هِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى قَوْلِهِمَا لَا عَلَى قَوْلِهِ إلَّا الْمَسْأَلَةَ الْأَخِيرَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْهِدَايَةِ وَحْدَهَا، فَكَيْفَ يَصِحُّ الْقَوْلُ بِأَنَّ مَسَائِلَ هَذَا الْبَابِ كُلَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ.

ثُمَّ أَقُولُ: لَوْ قَالَ بَدَلَ ذَلِكَ الْكَلَامِ: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ تَلْقِيبَ هَذَا الْبَابِ بَابَ الْحَجْرِ لِلْفَسَادِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ لَا يَرَى الْحَجْرَ لِلْفَسَادِ وَالسَّفَهِ أَصْلًا لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ صَحِيحٌ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مُبَذِّرٌ مَالَهُ بِصَرْفِهِ لَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْعَقْلُ فَيُحْجَرُ عَلَيْهِ نَظَرًا لَهُ اعْتِبَارًا بِالصَّبِيِّ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ مُبَذِّرٌ مَالَهُ بِصَرْفِهِ لَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْعَقْلُ، وَكُلُّ مَنْ هُوَ كَذَلِكَ يُحْجَرُ عَلَيْهِ نَظَرًا لَهُ كَالصَّبِيِّ فَهَذَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ اهـ.

أَقُولُ: تَقْرِيرُهُ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلْمَشْرُوحِ، إذْ لَا يَخْفَى أَنَّ حَاصِلَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا قِيَاسُ السَّفِيهِ عَلَى الصَّبِيِّ قِيَاسًا تَقْرِيبًا فِي وُجُوبِ الْحَجْرِ، وَيُرْشِدُ إلَيْهِ قَطْعًا قَوْلُهُ فِيمَا سَيَأْتِي مِنْ قِبَلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَى مَنْعِ الْمَالِ وَلَا عَلَى الصَّبِيِّ، وَقَدْ قَرَّرَهُ الشَّارِحُ الْمَذْكُورُ عَلَى الْقِيَاسِ الْمَنْطِقِيِّ حَيْثُ قَدَّرَ الْكُبْرَى الْكُلِّيَّةَ وَجَعَلَ قَوْلَهُ فَيُحْجَرُ عَلَيْهِ نَتِيجَةَ الْقِيَاسِ كَمَا تَرَى.

ثُمَّ إنَّ صَاحِبَيْ النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ قَالَا: هَذَا الدَّلِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إنَّمَا يَصِحُّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَا عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، لِأَنَّ حَجْرَ السَّفِيهِ عِنْدَهُ بِطَرِيقِ الزَّجْرِ وَالْعُقُوبَةِ عَلَيْهِ لَا بِطَرِيقِ النَّظَرِ لَهُ، وَقَالَا: وَفَائِدَةُ هَذَا الْخِلَافِ بَيْنَهُمْ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا كَانَ السَّفِيهُ مُفْسِدًا فِي دِينِهِ مُصْلِحًا فِي مَالِهِ كَالْفَاسِقِ. فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُحْجَرُ عَلَيْهِ زَجْرًا وَعُقُوبَةً، وَعِنْدَهُمَا لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ اهـ.

أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ مَنْ كَانَ مُصْلِحًا فِي مَالِهِ لَا يُسَمَّى سَفِيهًا فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ كَمَا أَفْصَحَ عَنْهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِيمَا مَرَّ حَيْثُ قَالَ: وَقَدْ غَلَبَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ عَلَى تَبْذِيرِ الْمَالِ وَإِتْلَافِهِ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الْعَقْلِ وَالشَّرْعِ، وَأَمَّا كَوْنُ الْمُصْلِحِ فِي مَالِهِ إذَا كَانَ مُفْسِدًا فِي دِينِهِ يُسَمَّى بِالسَّفِيهِ عَلَى مَعْنَاهُ الْأَصْلِيِّ فَلَا يُجْدِي نَفْعًا هَاهُنَا، إذْ نَحْنُ بِصَدَدِ بَيَانِ حُكْمِ السَّفِيهِ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ بِأَنَّهُ لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيُحْجَرُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَلَوْ كَانَ الْفَاسِقُ دَاخِلًا فِي السَّفِيهِ فِي عُرْفِهِمْ لَمَا صَحَّ بَيَانُ الْحُكْمِ بِالْوَجْهِ الْمَذْكُورِ، فَإِنَّ الْفَاسِقَ لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَئِمَّتِنَا كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ (قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مُخَاطَبٌ عَاقِلٌ فَلَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ اعْتِبَارًا بِالرَّشِيدِ) قِيلَ: يُشْكِلُ هَذَا بِالْعَبْدِ، فَإِنَّهُ مُخَاطَبٌ عَاقِلٌ أَيْضًا وَمَعَ ذَلِكَ يُحْجَرُ عَلَيْهِ.

وَأُجِيبَ بِوَجْهَيْنِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>