بِاعْتِبَارِ أَثَرِ الصِّبَا وَهُوَ فِي أَوَائِلِ الْبُلُوغِ وَيَتَقَطَّعُ بِتَطَاوُلِ الزَّمَانِ فَلَا يَبْقَى الْمَنْعُ، وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَوْ بَلَغَ رَشِيدًا ثُمَّ صَارَ سَفِيهًا لَا يُمْنَعُ الْمَالُ عَنْهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَثَرِ الصِّبَا، ثُمَّ لَا يَتَأَتَّى التَّفْرِيعُ عَلَى قَوْلِهِ وَإِنَّمَا التَّفْرِيعُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى الْحَجْرَ. فَعِنْدَهُمَا لَمَّا صَحَّ الْحَجْرُ لَا يَنْفُذُ بَيْعُهُ إذَا بَاعَ تَوْفِيرًا لِفَائِدَةِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ أَجَازَهُ الْحَاكِمُ لِأَنَّ رُكْنَ التَّصَرُّفِ قَدْ وُجِدَ وَالتَّوَقُّفُ لِلنَّظَرِ لَهُ وَقَدْ نَصَّبَ الْحَاكِمُ نَاظِرًا لَهُ فَيَتَحَرَّى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ، كَمَا فِي الصَّبِيِّ الَّذِي يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ وَيَقْصِدُهُ.
بِاعْتِبَارِ أَثَرِ الصِّبَا وَهُوَ فِي أَوَائِلِ الْبُلُوغِ، وَيَنْقَطِعُ بِتَطَاوُلِ الزَّمَانِ فَلَا يَبْقَى الْمَنْعُ) فَإِنْ قِيلَ: الدَّفْعُ مُعَلَّقٌ بِإِينَاسِ الرُّشْدِ فَمَا لَمْ يُوجَدْ لَا يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الشَّرْطَ يُوجِبُ الْوُجُودَ عِنْدَ الْوُجُودِ لَا الْعَدَمَ عِنْدَ الْعَدَمِ. سَلَّمْنَاهُ، لَكِنَّهُ مُنْكَرٌ يُرَادُ بِهِ أَدْنَى مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ، وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ إذَا وَصَلَ الْإِنْسَانُ إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ لِصَيْرُورَةِ فُرُوعِهِ أَصْلًا فَكَانَ مُتَنَاهِيًا فِي الْأَصَالَةِ.
أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ كَوْنَهُ مُتَنَاهِيًا فِي الْأَصَالَةِ عِنْدَ وُصُولِهِ إلَى تِلْكَ الْمُدَّةِ لَا يَقْتَضِي رُشْدَهُ لِحُصُولِ ذَلِكَ فِي الْمَجْنُونِ أَيْضًا مَعَ عَدَمِ تَصَوَّرْ الرُّشْدِ فِيهِ. سَلَّمْنَاهُ لَكِنَّهُ لَا يُطَابِقُ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ أَنَّهُ إذَا بَلَغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً يُسَلَّمُ إلَيْهِ مَالُهُ وَإِنْ لَمْ يُؤْنَسْ مِنْهُ الرُّشْدُ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالرُّشْدِ هُنَاكَ الرُّشْدُ الْكَامِلُ، لَكِنْ لَا يُسَاعِدُهُ اللَّفْظُ وَيَأْبَاهُ دَلِيلُهُ، تَأَمَّلْ تَقِفْ (قَوْلُهُ لِأَنَّ رُكْنَ التَّصَرُّفِ قَدْ وُجِدَ وَالتَّوَقُّفُ لِلنَّظَرِ لَهُ وَقَدْ نَصَّبَ الْحَاكِمُ نَاظِرًا لَهُ فَيَتَحَرَّى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: اسْتَدَلَّ عَلَى الْجَوَازِ وَالتَّوَقُّفِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ رُكْنَ التَّصَرُّفِ قَدْ وُجِدَ وَذَلِكَ يُوجِبُ الْجَوَازَ.
وَرُدَّ بِأَنَّ رُكْنَ التَّصَرُّفِ إذَا وُجِدَ مِنْ أَهْلِهِ يُوجِبُ ذَلِكَ وَالسَّفِيهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ أَهْلٌ لِأَنَّ الْأَهْلِيَّةَ بِالْعَقْلِ وَالسَّفَهُ لَا يَنْفِيهِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَعَلَامَ التَّوَقُّفُ؟ أَجَابَ بِقَوْلِهِ لِلنَّظَرِ لَهُ، فَإِنَّ الْحَاكِمَ نَصَّبَ نَاظِرًا فَيَتَحَرَّى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ كَمَا فِي الصَّبِيِّ الَّذِي يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ وَيَقْصِدُهُ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْعِنَايَةِ، وَرَدَّ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ قَوْلَهُ وَاسْتَدَلَّ عَلَى الْجَوَازِ وَالتَّوَقُّفِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ رُكْنَ التَّصَرُّفِ وُجِدَ حَيْثُ قَالَ: هَذَا إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ فَقَطْ اهـ.
أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ هَاهُنَا عَلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ اسْتَدَلَّ عَلَى الْجَوَازِ وَالتَّوَقُّفِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ رُكْنَ التَّصَرُّفِ قَدْ وُجِدَ إلَخْ: أَيْ اسْتَدَلَّ عَلَى الْجَوَازِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ رُكْنَ التَّصَرُّفِ قَدْ وُجِدَ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى التَّوَقُّفِ بِقَوْلِهِ وَالتَّوَقُّفُ لِلنَّظَرِ إلَخْ، فَحَصَلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute