وَلَوْ بَاعَ قَبْلَ حَجْرِ الْقَاضِي جَازَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حَجْرِ الْقَاضِي عِنْدَهُ، لِأَنَّ الْحَجْرَ دَائِرٌ بَيْنَ الضَّرَرِ وَالنَّظَرِ وَالْحَجْرُ لِنَظَرِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ فِعْلِ الْقَاضِي. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يَبْلُغُ مَحْجُورًا عِنْدَهُ، إذْ الْعِلَّةُ هِيَ السَّفَهُ بِمَنْزِلَةِ الصِّبَا، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ إذَا بَلَغَ رَشِيدًا ثُمَّ صَارَ سَفِيهًا
(وَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدًا نَفَذَ عِتْقُهُ عِنْدَهُمَا). وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَنْفُذُ. وَالْأَصْلُ عِنْدَهُمَا أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ يُؤَثِّرُ فِيهِ إلَخْ وَمَا لَا فَلَا، لِأَنَّ السَّفِيهَ فِي مَعْنَى الْهَازِلِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْهَازِلَ يُخْرِجُ كَلَامَهُ لَا عَلَى نَهْجِ كَلَامِ الْعُقَلَاءِ لِاتِّبَاعِ الْهَوَى وَمُكَابَرَةِ الْعَقْلِ لَا لِنُقْصَانٍ فِي عَقْلِهِ، فَكَذَلِكَ السَّفِيهُ وَالْعِتْقُ مِمَّا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ فَيَصِحُّ مِنْهُ
مِنْ الْمَجْمُوعِ الِاسْتِدْلَال عَلَى الْجَوَازِ وَالتَّوَقُّفِ مَعًا وَإِنْ كَانَ الْحَاصِلُ مِنْ أَوَّلِ قَوْلِهِ هُوَ الِاسْتِدْلَال عَلَى الْجَوَازِ فَقَطْ. وَلَمَّا اتَّجَهَ عَلَى أَوَّلِ اسْتِدْلَالِهِ سُؤَالٌ ظَاهِرُ الْوُرُودِ تَصَدَّى الشَّارِحُ لِذِكْرِهِ مَعَ جَوَابِهِ فَوَقَعَ الْفَصْلُ بَيْنَ دَلِيلِ الْجَوَازِ وَدَلِيلِ التَّوَقُّفِ فِي الْبَيَانِ تَدَبَّرْ تَفْهَمْ
(قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ عِنْدَهُمَا أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ يُؤَثِّرُ فِيهِ الْحَجْرُ وَمَا لَا فَلَا، إلَى قَوْلِهِ: وَالْعِتْقُ مِمَّا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ فَيَصِحُّ مِنْهُ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ أَنَّ السَّفِيهَ لَوْ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ وَأَعْتَقَ رَقَبَةً لَمْ يُنْفِذْهُ الْقَاضِي، وَكَذَا لَوْ نَذَرَ بِهَدْيٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يُنْفِذْهُ.
فَهَذَا مِمَّا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ بِقَوْلِهِ ﵊ «ثَلَاثٌ جَدُّهُنَّ جَدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جَدٌّ» وَقَدْ أَثَّرَ فِيهِ الْحَجْرُ بِالسَّفَهِ. وَالثَّانِي أَنَّ الْهَازِلَ إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَتَقَ وَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ سِعَايَةٌ وَالْمَحْجُورُ بِالسَّفَهِ إذَا أَعْتَقَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ، فَالْهَزْلُ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي وُجُوبِ السِّعَايَةِ وَالْحَجْرُ أَثَّرَ فِيهِ. وَالثَّالِثُ أَنَّ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا يَصِحُّ فِي حَقِّ السَّفِيهِ لَا فِي حَقِّ الْهَازِلِ.
وَالصَّحِيحُ فِيهِ أَنْ يُقَالَ لِقَصْدِهِ اللَّعِبَ بِهِ دُونَ مَا وُضِعَ الْكَلَامُ لَهُ لَا لِنُقْصَانٍ فِي الْعَقْلِ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْقَضَاءَ بِالْحَجْرِ عَنْ التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْإِتْلَافِ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ تَنْفِيذِ الْكَفَّارَاتِ وَالنُّذُورِ، لِأَنَّ فِي تَنْفِيذِهِمَا إضَاعَةَ الْمَقْصُودِ مِنْ الْحَجْرِ لِإِمْكَانِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي جَمِيعِ مَالِهِ بِالْيَمِينِ وَالْحِنْثِ وَالنَّذْرِ. وَعَنْ الثَّانِي مَا سَيَجِيءُ فِي الْكِتَابِ. وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّ قَصْدَ اللَّعِبِ بِالْكَلَامِ وَتَرْكَ مَا وُضِعَ لَهُ مِنْ مُكَابَرَةِ الْعَقْلِ وَاتِّبَاعِ الْهَوَى فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا اهـ.
أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ عَنْ الْأَوَّلِ وَعَنْ الثَّانِي عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute