للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَفِي الشَّرْعِ: فَكُّ الْحَجْرِ وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ عِنْدَنَا،

لُغَةً؛ لِأَنَّهُ ضِدُّ الْحَجْرِ وَهُوَ الْمَنْعُ فَكَانَ إطْلَاقًا عَنْ شَيْءٍ أَيَّ شَيْءٍ كَانَ اهـ.

(قَوْلُهُ وَفِي الشَّرْعِ فَكُّ الْحَجْرِ وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ عِنْدنَا)

قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: يَعْنِي أَنَّ الْعَبْدَ كَانَ مَحْجُورًا عَنْ التَّصَرُّفِ لِحَقِّ الْمَوْلَى، فَإِذَا أَذِنَ لَهُ الْمَوْلَى أَسْقَطَ حَقَّ نَفْسِهِ اهـ. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: أَيْ إذْنُ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ إسْقَاطٌ لِحَقِّ نَفْسِهِ الَّذِي كَانَ الْعَبْدُ لِأَجَلِهِ مَحْجُورًا عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْمَوْلَى قَبْلَ إذْنِهِ، وَبِالْإِذْنِ أَسْقَطَ حَقَّ نَفْسِهِ عِنْدَهُ اهـ. وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ: فَإِنَّ الْمَوْلَى إذَا أَذِنَ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ أَسْقَطَ حَقَّ نَفْسِهِ الَّذِي كَانَ الْعَبْدُ لِأَجَلِهِ مَحْجُورًا عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْمَوْلَى قَبْلَ إذْنِهِ اهـ.

وَقَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: لِأَنَّهُ كَانَ لِلْمَوْلَى حَقٌّ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ فَقَبْلَ الْإِذْنِ لَا تَتَعَلَّقُ الدُّيُونُ بِرَقَبَتِهِ وَلَا بِكَسْبِهِ، وَبَعْدَ الْإِذْنِ يَسْقُطُ هَذَا الْحَقُّ وَتَتَعَلَّقُ الدُّيُونُ بِهَا اهـ. وَقَالَ فِي الْكِفَايَةِ: وَفِي الشَّرْعِ فَكُّ الْحَجْرِ وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ وَهُوَ حَقُّ الْمَوْلَى مَالِيَّةَ الْكَسْبِ وَالرَّقَبَةِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ تَعَلُّقَ حَقِّ الْغَيْرِ بِهَا صَوْنًا لِحَقِّ الْمَوْلَى، وَإِنَّهُ بِالْإِذْنِ أَسْقَطَ حَقَّهُ اهـ. فَتَلَخَّصَ مِنْ الْمَجْمُوعِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَقِّ هَاهُنَا حَقُّ الْمَوْلَى، وَقَدْ أَفْصَحَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا بَعْدُ حَيْثُ قَالَ: وَانْحِجَارُهُ عَنْ التَّصَرُّفِ لِحَقِّ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مَا عَهِدَ تَصَرُّفَهُ إلَّا مُوجِبًا تَعَلُّقَ الدَّيْنِ بِرَقَبَتِهِ وَبِكَسْبِهِ وَذَلِكَ مَالٌ فَلَا بُدَّ مِنْ إذْنِهِ كَيْ لَا يَبْطُلَ حَقُّهُ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ اهـ. قَالَ صَاحِبُ الْإِصْلَاحِ وَالْإِيضَاحِ: الْمُرَادُ بِالْحَقِّ هَاهُنَا حَقُّ الْمَنْعِ لَا حَقُّ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مَعَ اخْتِصَاصِهِ بِإِذْنِ الْعَبْدِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى لَا يَسْقُطُ بِالْإِذْنِ وَلِذَلِكَ يَأْخُذُ مِنْ كَسْبِهِ جَبْرًا عَلَى مَا سَيَأْتِي، وَالْمُسْقِطُ هُوَ الْمَوْلَى إنْ كَانَ الْمَأْذُونُ رَقِيقًا وَالْوَلِيُّ إنْ كَانَ صَبِيًّا اهـ كَلَامَهُ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ كَوْنَ الْمُرَادِ بِالْحَقِّ هَاهُنَا حَقُّ الْمَنْعِ لَا يُنَافِي كَوْنَهُ حَقُّ الْمَوْلَى، بَلْ يَقْتَضِيهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَنْعِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْعَبْدِ هُوَ حَقُّ الْمَوْلَى لَا حَقُّ غَيْرِهِ: فَإِنَّ مَعْنَى حَقِّ الْمَنْعِ حَقٌّ هُوَ مَنْعٌ عَنْ التَّصَرُّفِ عَلَى أَنْ تَكُونَ الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةً، وَمَعْنَى حَقُّ الْمَوْلَى حَقٌّ هُوَ لِلْمَوْلَى، عَلَى أَنْ تَكُونَ الْإِضَافَةُ بِمَعْنَى اللَّامِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْحَقَّ الَّذِي هُوَ مَنْعُ الْعَبْدِ عَنْ التَّصَرُّفِ إنَّمَا يَكُونُ لِلْمَوْلَى لَا لِغَيْرِهِ فَكَانَ حَقًّا لَهُ قَطْعًا.

وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِهِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى لَا يَسْقُطُ بِالْإِذْنِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِهِ أَصْلًا فَمَمْنُوعٌ، كَيْفَ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ إذَا لَزِمَتْهُ دُيُونٌ تُحِيطُ بِكَسْبِهِ وَرَقَبَتِهِ تَعَلَّقَتْ بِكَسْبِهِ وَرَقَبَتِهِ جَمِيعًا فَيُبَاعُ كُلُّ ذَلِكَ لِلْغُرَمَاءِ فَيَسْقُطُ حَقُّ الْمَوْلَى فِي كَسْبِهِ وَرَقَبَتِهِ جَمِيعًا لَا مَحَالَةَ، وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا إذَا لَمْ تُحِطْ بِهِمَا دُيُونٌ فَمُسَلَّمٌ، لَكِنْ لَا يُجْدِي نَفْعًا إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِإِسْقَاطِ الْحَقِّ فِي مَعْنَى الْإِذْنِ شَرْعًا إسْقَاطُهُ بِالْكُلِّيَّةِ أَلْبَتَّةَ، بَلْ الْمُرَادُ بِهِ إسْقَاطُهُ فِي الْجُمْلَةِ، وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ فِي صُورَةِ إحَاطَةِ الدَّيْنِ بَلْ فِي صُورَةِ عَدَمِ إحَاطَتِهِ أَيْضًا بِالنَّظَرِ إلَى الْبَعْضِ السَّاقِطِ بِمِقْدَارِ الدَّيْنِ كَمَا لَا يَخْفَى، أَمَّا اخْتِصَاصُ حَقِّ الْمَوْلَى بِإِذْنِ الْعَبْدِ فَلَا يَضُرُّ إذْ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ فِي كِتَابِ الْمَأْذُونِ بَيَانُ إذْنِ الْعَبْدِ، وَإِنَّمَا يَبِينُ فِيهِ إذْنُ الصَّبِيِّ أَيْضًا عَلَى سَبِيلِ التَّبَعِيَّةِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَدَارُ مَا ذَكَرَهُ فِي تَفْسِيرِ الْإِذْنِ فِي الشَّرْعِ عَلَى مَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ فِي كِتَابِ الْمَأْذُونِ.

ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ النِّهَايَةِ قَالَ: وَأَمَّا حُكْمُهُ فَمَا هُوَ التَّفْسِيرُ الشَّرْعِيُّ وَهُوَ فَكُّ الْحَجْرِ الثَّابِتِ بِالرِّقِّ شَرْعًا عَمَّا يَتَنَاوَلُهُ الْإِذْنُ لَا الْإِنَابَةِ وَالتَّوْكِيلِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الشَّيْءِ مَا يَثْبُتُ بِهِ، وَالثَّابِتُ بِالْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ فَكُّ الْحَجْرِ عَنْ التِّجَارَةِ. وَقَالَ: هَذَا مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْإِيضَاحِ وَالذَّخِيرَةِ وَالْمُغْنِي وَغَيْرِهَا اهـ. وَقَدْ اقْتَفَى أَثَرَهُ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ حَيْثُ قَالَ فِي التَّبْيِينِ: وَحُكْمُهُ هُوَ التَّفْسِيرُ الشَّرْعِيُّ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ فَكِّ الْحَجْرِ اهـ. أَقُولُ: كَوْنُ حُكْمِ الْإِذْنِ مَا هُوَ تَفْسِيرُهُ الشَّرْعِيُّ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ حُكْمَ الشَّيْءِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ عِنْدَهُمْ إنَّمَا هُوَ أَثَرُهُ الثَّابِتُ بِهِ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ النِّهَايَةِ أَيْضًا بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الشَّيْءِ مَا يَثْبُتُ بِهِ، وَلَا يَذْهَبُ عَلَى ذِي مُسْكَةٍ أَنَّ مَا يَثْبُتُ بِالشَّيْءِ وَيَصِيرُ أَثَرًا مُتَرَتِّبًا عَلَيْهِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ تَفْسِيرًا لِذَلِكَ الشَّيْءِ مَحْمُولًا عَلَيْهِ بِالْمُوَاطَأَةِ. ثُمَّ أَقُولُ: لَيْسَ الْمَذْكُورُ فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ حُكْمَهُ مَا هُوَ تَفْسِيرُهُ الشَّرْعِيُّ، بَلْ الْمَذْكُورُ فِيهَا هَكَذَا، وَأَمَّا بَيَانُ حُكْمِهِ فَنَقُولُ: حُكْمُهُ شَرْعًا عِنْدَنَا فَكُّ الْحَجْرِ الثَّابِتِ بِالرِّقِّ شَرْعًا عَمَّا يَتَنَاوَلُهُ الْإِذْنُ لَا الْإِنَابَةُ وَلَا التَّوْكِيلُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>