للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْمَوْلَى. قَالُوا: وَلَا بَأْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتَصَدَّقَ مِنْ مَنْزِلِ زَوْجِهَا بِالشَّيْءِ الْيَسِيرِ كَالرَّغِيفِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَمْنُوعٍ عَنْهُ فِي الْعَادَةِ. .

قَالَ (وَلَهُ أَنْ يَحُطَّ مِنْ الثَّمَنِ بِالْعَيْبِ مِثْلَ مَا يَحُطُّ التُّجَّارُ)؛ لِأَنَّهُ مِنْ صَنِيعِهِمْ، وَرُبَّمَا يَكُونُ الْحَطُّ أَنْظَرُ لَهُ مِنْ قَبُولِ الْمَعِيبِ ابْتِدَاءً، بِخِلَافِ مَا إذَا حَطَّ مِنْ غَيْرِ عَيْبٍ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ مَحْضٌ بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ فَلَيْسَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ، وَلَا كَذَلِكَ الْمُحَابَاةُ فِي الِابْتِدَاءِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْتَاجُ إلَيْهَا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ

(وَلَهُ أَنْ يُؤَجِّلَ فِي دَيْنٍ وَجَبَ لَهُ)؛ لِأَنَّهُ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ. .

قَالَ (وَدُيُونُهُ مُتَعَلِّقَةٌ بِرَقَبَتِهِ يُبَاعُ لِلْغُرَمَاءِ إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ الْمَوْلَى) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يُبَاعُ وَيُبَاعُ كَسْبُهُ فِي دَيْنِهِ بِالْإِجْمَاعِ. لَهُمَا أَنَّ غَرَضَ الْمَوْلَى مِنْ الْإِذْنِ تَحْصِيلُ مَالٍ لَمْ يَكُنْ لَا تَفْوِيتُ مَالٍ قَدْ كَانَ لَهُ،

قَوْلِهِ هَذَا

. (قَوْلُهُ وَدُيُونُهُ مُتَعَلِّقَةٌ بِرَقَبَتِهِ يُبَاعُ لِلْغُرَمَاءِ) أَيْ يَبِيعُهُ الْقَاضِي لِدَيْنِ الْغُرَمَاءِ بِغَيْرِ رِضَا الْمَوْلَى. فَإِنْ قِيلَ: مَا وَجْهُ الْبَيْعِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ لَا يَرَى الْحَجْرَ عَلَى الْحُرِّ الْعَاقِلِ بِسَبَبِ الدَّيْنِ وَبَيْعُ الْقَاضِي الْعَبْدَ بِغَيْرِ رِضَا مَوْلَاهُ حَجْرٌ عَلَيْهِ. أُجِيبُ بِأَنْ ذَلِكَ لَيْسَ بِحَجْرٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ مَحْجُورًا عَنْ بَيْعِهِ، إذْ لَا يَجُوزُ لِلْمَوْلَى بَيْعُ الْعَبْدِ الْمَدْيُونِ بِغَيْرِ رِضَا الْغُرَمَاءِ وَحَجْرُ الْمَحْجُورِ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ فَكَانَ كَالتَّرِكَةِ الْمُسْتَغْرِقَةِ بِالدَّيْنِ فِي جَوَازِ أَنْ يَبِيعَهَا الْقَاضِي عَلَى الْوَرَثَةِ إنْ امْتَنَعُوا عَنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ لَا يُعَدُّ حَجْرًا لِكَوْنِهِمْ مَحْجُورِينَ عَنْ بَيْعِهَا قَبْلَ ذَلِكَ بِغَيْرِ رِضَا الْغُرَمَاءِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَعَامَّةِ الشُّرُوحِ، وَعَزَاهُ فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ إلَى الذَّخِيرَةِ. أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْسِمُ مَادَّةَ الْإِشْكَالِ، إذْ لِسَائِلٍ أَنْ يُعِيدَ الْكَلَامَ إلَى كَوْنِهِ مَحْجُورًا عَنْ بَيْعِهِ قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي الْحَجْرَ عَلَى الْحُرِّ الْعَاقِلِ بِسَبَبِ الدَّيْنِ فَيَشْكُلُ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ.

ثُمَّ إنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّرِكَةِ الْمُسْتَغْرِقَةِ بِالدِّينِ ظَاهِرٌ، إذْ لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْوَرَثَةِ فِي التَّرِكَةِ الْمُسْتَغْرِقَةِ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغَرِيمِ يُقَدَّمُ عَلَى حَقِّ الْوَارِثِ، وَلِهَذَا إذَا أَعْتَقَ الْوَرَثَةُ عَبْدًا مِنْ التَّرِكَةِ الْمُسْتَغْرِقَةِ بِالدَّيْنِ لَا يَنْفُذُ إعْتَاقُهُمْ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فَإِنَّ مِلْكَ الْمَوْلَى فِيهِ بَاقٍ وَلِهَذَا يَنْفُذُ إعْتَاقُهُ إيَّاهُ، وَسَيَأْتِي ذَلِكَ كُلُّهُ فِي الْكِتَابِ، فَسَبَبُ كَوْنِ الْوَرَثَةِ مَحْجُورِينَ عَنْ بَيْعِ التَّرِكَةِ الْمُسْتَغْرِقَةِ بِالدِّينِ إنَّمَا هُوَ عَدَمُ كَوْنِهَا مَمْلُوكَةً لَهُمْ فَلَا يُنْتَقَضُ بِهِ أَصْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ أَنْ لَا يَرَى الْحَجْرَ بِسَبَبِ الدَّيْنِ.

وَأَمَّا كَوْنُ الْمَوْلَى مَحْجُورًا عَنْ بَيْعِ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ فَلَا سَبَبَ لَهُ سِوَى الدَّيْنِ فَيَلْزَمُ أَنْ يُنْتَقَضَ بِهِ أَصْلُهُ كَمَا لَا يَخْفَى فَتَأَمَّلْ (قَوْلَهُ إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ الْمَوْلَى) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ الْمَوْلَى إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَ الْمَوْلَى حَاضِرًا؛ لِأَنَّ اخْتِيَارَ الْفِدَاءِ مِنْ الْغَائِبِ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ اهـ. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ الْمَوْلَى إنَّمَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ عَدَمَ جَوَازِ الْبَيْعِ عِنْدَ الْفِدَاءِ كَمَا هُوَ الْحَاصِلُ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ إذَا كَانَ الْمَوْلَى حَاضِرًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ اخْتِيَارَ الْفِدَاءِ مِنْ الْغَائِبِ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ، وَأَمَّا أَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَ الْمَوْلَى حَاضِرًا فَلَا إشَارَةَ فِي قَوْلِهِ الْمَذْكُورِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْفِدَاءَ مِنْ الْمَوْلَى إنَّمَا يُتَصَوَّرُ عِنْدَ حُضُورِ الْمَوْلَى أَوْ نَائِبِهِ.

وَأَمَّا عَدَمُ الْفِدَاءِ مِنْهُ فَكَمَا يُتَصَوَّرُ عِنْدَ حُضُورِ الْمَوْلَى أَوْ نَائِبِهِ كَذَلِكَ يُتَصَوَّرُ عِنْدَ غَيْبَتِهِمَا أَيْضًا كَمَا لَا يَخْفَى. وَالْبَيْعُ إنَّمَا يَجُوزُ فِيمَا إذَا لَمْ يَقَعْ الْفِدَاءُ مِنْ الْمَوْلَى كَمَا هُوَ الْحَاصِلُ مِنْ الْبَاقِي بَعْدَ الثِّنْيَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ، فَلَمَّا تَصَوَّرَ عَدَمَ الْفِدَاءِ فِي كُلٍّ مِنْ صُورَتَيْ الْحُضُورِ وَالْغَيْبَةِ احْتَمَلَ جَوَازَ الْبَيْعِ فِي كُلٍّ مِنْ تَيْنِكَ الصُّورَتَيْنِ أَيْضًا فَمِنْ أَيْنَ حَصَلَتْ الْإِشَارَةُ إلَى انْحِصَارِ جَوَازِهِ فِي صُورَةِ حُضُورِ الْمَوْلَى؟ نَعَمْ الْبَيْعُ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَ الْمَوْلَى حَاضِرًا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الشُّرُوحِ وَعَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ حَيْثُ قَالُوا: هَذَا إذَا كَانَ الْمَوْلَى حَاضِرًا.

فَأَمَّا إذَا كَانَ غَائِبًا

<<  <  ج: ص:  >  >>