وَمَعْنَاهُ أَنْ يُقَرَّ بِمَا فِي يَدِهِ أَنَّهُ أَمَانَةٌ لِغَيْرِهِ أَوْ غَصْبٌ مِنْهُ أَوْ يُقَرَّ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ فَيُقْضَى مِمَّا فِي يَدِهِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ. لَهُمَا أَنَّ الْمُصَحِّحَ لِإِقْرَارِهِ إنْ كَانَ الْإِذْنَ فَقَدْ زَالَ بِالْحَجْرِ، وَإِنْ كَانَ الْيَدَ فَالْحَجْرُ أَبْطَلَهَا؛ لِأَنَّ يَدَ الْمَحْجُورِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ وَصَارَ كَمَا إذَا أَخَذَ الْمَوْلَى كَسْبَهُ مِنْ يَدِهِ قَبْلَ إقْرَارِهِ أَوْ ثَبَتَ حَجْرُهُ بِالْبَيْعِ مِنْ غَيْرِهِ، وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ الرَّقَبَةِ بَعْدَ الْحَجْرِ، وَلَهُ أَنَّ الْمُصَحِّحَ هُوَ الْيَدُ، وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ إقْرَارُ الْمَأْذُونِ فِيمَا أَخَذَهُ الْمَوْلَى مِنْ يَدِهِ وَالْيَدُ بَاقِيَةٌ حَقِيقَةً، وَشَرْطُ بُطْلَانِهَا بِالْحَجْرِ حُكْمًا فَرَاغُهَا عَنْ حَاجَتِهِ، وَإِقْرَارُهُ دَلِيلُ تَحَقُّقِهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا انْتَزَعَهُ الْمَوْلَى مِنْ يَدِهِ قَبْلَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمَوْلَى ثَابِتَةٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا فَلَا تَبْطُلُ بِإِقْرَارِهِ، وَكَذَا مِلْكُهُ ثَابِتٌ فِي رَقَبَتِهِ فَلَا يَبْطُلُ بِإِقْرَارِهِ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ قَدْ تَبَدَّلَ بِتَبَدُّلِ الْمِلْكِ
فِي الْبَقَاءِ دُونَ الِابْتِدَاءِ تَأَمَّلْ
(قَوْلَهُ لَهُمَا أَنَّ الْمُصَحِّحَ لِإِقْرَارِهِ إنْ كَانَ الْإِذْنُ فَقَدْ زَالَ بِالْحَجْرِ، وَإِنْ كَانَ الْيَدُ فَالْحَجْرُ أَبْطَلَهَا؛ لِأَنَّ يَدَ الْمَحْجُورِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: فَإِنْ قُلْت: يَشْكُلُ عَلَى هَذَا مَا ذَكَرَهُ فِي وَدِيعَةِ الْمَبْسُوطِ بِقَوْلِهِ عَبْدٌ اسْتَوْدَعَ رَجُلًا وَدِيعَةً ثُمَّ غَابَ لَمْ يَكُنْ لِمَوْلَاهُ أَنْ يَأْخُذَ الْوَدِيعَةَ تَاجِرًا كَانَ الْعَبْدُ أَوْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِيَدِ الْمَحْجُورِ اعْتِبَارٌ لَمَا اشْتَرَطَ حَضْرَتَهُ بَلْ جَعَلَ مَا أَوْدَعَهُ بِمَنْزِلَةِ ثَوْبٍ هَبَّتْ بِهِ الرِّيحُ وَأَلْقَتْهُ فِي حِجْرِ رَجُلٍ؛ لِأَنَّ فَائِدَةُ عَدَمِ اعْتِبَارِ الْيَدِ هِيَ أَنْ يَكُونَ وُجُودُهَا وَعَدَمُهَا بِمَنْزِلَةٍ وَلَمْ تُجْعَلْ كَذَلِكَ، فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ لِيَدِهِ اعْتِبَارًا وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا، وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْإِمَام الْأُسْرُوشَنِيُّ فِي وَدِيعَةِ أَحْكَامِ الصِّغَارِ فِي تَعْلِيلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ: لِأَنَّ الْعَبْدَ آدَمِيٌّ لَهُ يَدٌ حُكْمِيَّةٌ فَلَا يَكُونُ لِمَوْلَاهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ الْمُودَعِ مَا لَمْ يَحْضُرْ الْعَبْدُ.
قُلْت: تِلْكَ الْمَسْأَلَةُ مُؤَوَّلَةٌ ذُكِرَ تَأْوِيلُهَا فِي الْفَصْلِ السَّادِسِ عَشَرَ مِنْ وَدِيعَةِ الذَّخِيرَةِ فَقَالَ: وَهَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُودَعُ أَنَّ الْوَدِيعَةَ كَسْبُ الْعَبْدِ، وَأَمَّا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ كَسْبُهُ فَلِلْمَوْلَى حَقُّ الْأَخْذِ، وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا كَسْبُ الْعَبْدِ وَلَكِنْ عَلِمَ أَنَّهَا مَالُ الْمَوْلَى كَانَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَأْخُذَ، إلَى هُنَا كَلَامُ صَاحِبِ النِّهَايَةِ. وَقَدْ اقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي ذِكْرِ هَذَا السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ لَكِنْ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى أَخْصَرَ مِنْ الْأُولَى.
أَقُولُ: ذَلِكَ الْجَوَابُ لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ، فَإِنَّ تَأْوِيلَ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ بِمَا ذُكِرَ مَعَ كَوْنِهِ مِمَّا يَأْبَاهُ قَطْعًا مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْأُسْرُوشَنِيُّ فِي وَدِيعَةِ أَحْكَامِ الصِّغَارِ فِي تَعْلِيلِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ بِمَا مَرَّ فِي آخَرِ السُّؤَالِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute