عَلَى مَا عُرِفَ فَلَا يَبْقَى مَا ثَبَتَ بِحُكْمِ الْمِلْكِ، وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ خَصْمًا فِيمَا بَاشَرَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ. .
قَالَ (وَإِذَا لَزِمَتْهُ دُيُونٌ تُحِيطُ بِمَالِهِ وَرَقَبَتِهِ لَمْ يَمْلِكْ الْمَوْلَى مَا فِي يَدِهِ.
لَا يُجْدِي نَفْعًا فِي دَفْعِ الْإِشْكَالِ النَّاشِئِ مِنْ الْمُقَدِّمَةِ الْقَائِلَةِ إنَّ يَدَ الْمَحْجُورِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ التَّأْوِيلِ أَنَّ فِي صُورَةِ أَنْ لَا يَعْلَمَ الْمُودَعُ أَنَّ الْوَدِيعَةَ الَّتِي أَوْدَعَهَا الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ كَسْبُ ذَلِكَ الْعَبْدِ أَوْ مَالُ مَوْلَاهُ لَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَأْخُذَهَا، بَلْ إنَّمَا يَأْخُذُهَا ذَلِكَ الْعَبْدُ، فَقَدْ تَحَقَّقَ أَنْ يَكُونَ لِلْمَحْجُورِ يَدٌ مُعْتَبَرَةٌ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ فَلَمْ يَكُنْ فِي تِلْكَ الْمُقَدِّمَةِ كُلِّيَّةً، وَمَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا كُلِّيَّةً لَا يَثْبُتُ مُدَّعَى الْإِمَامَيْنِ فِي مَسْأَلَتِنَا فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ.
لَا يُقَالُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمَا فِي التَّعْلِيلِ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمَحْجُورِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ أَنَّ يَدَهُ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي شَيْءٍ مِنْ الصُّوَرِ الْمُنْدَرِجَةِ تَحْتَ مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ، وَهَذَا الْقَدْرُ مِنْ الْكُلِّيَّةِ يَكْفِي فِي إثْبَاتِ مُدَّعَاهُمَا هَاهُنَا. لِأَنَّا نَقُولُ: هَذَا الْقَدْرُ مِنْ الْكُلِّيَّةِ أَيْضًا غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ؛ لِأَنَّ مِنْ الصُّوَرِ الْمُنْدَرِجَةِ تَحْتَ مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ إقْرَارُهُ بَعْدَ الْحَجْرِ بِأَنَّ مَا فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ لِغَيْرِهِ، فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ مَا فِي يَدِهِ كَسْبُهُ أَوْ مَالُ مَوْلَاهُ فَلَا جَرَمَ أَنْ تَكُونَ يَدُهُ إذْ ذَاكَ مُعْتَبَرَةٌ عَلَى مُقْتَضَى مَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ الْمَبْسُوطِ وَتَقَرَّرَ بَعْدَ تَأْوِيلِهَا، وَمِنْ تِلْكَ الصُّوَرِ أَيْضًا إقْرَارُهُ بَعْدَ الْحَجْرِ بِأَنَّ مَا فِي يَدِهِ غَصْبٌ مِنْ غَيْرِهِ، فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ كَسْبُهُ أَوْ مَالُ مَوْلَاهُ تَكُونُ يَدُهُ مُعْتَبَرَةً عَلَى مُقْتَضَى ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ عَيْنُ الْمَغْصُوبِ مُتَغَيِّرًا بِفِعْلِهِ بِأَنْ لَمْ يَزُلْ اسْمُهُ وَعِظَمُ مَنَافِعِهِ، إذْ لَا يَزُولُ عَنْهُ حِينَئِذٍ مِلْكُ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ كَمَا سَيَجِيءُ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَسْبِ ذِي الْيَدِ، تَدَبَّرْ تَفْهَمْ.
(قَوْلَهُ فَلَا يَبْقَى مَا ثَبَتَ بِحُكْمِ الْمِلْكِ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: يَعْنِي بِهِ الْإِذْنَ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ لِلْعَبْدِ بِحُكْمِ أَنَّهُ مِلْكُ الْمَوْلَى وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ الْمِلْكُ اهـ. وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى اسْتِخْرَاجُ سَائِرُ الشُّرَّاحِ أَيْضًا هَذَا الْمَحَلَّ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ عِبَارَتُهُمْ، مِنْهَا مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْغَايَةِ فَإِنَّهُ قَالَ: أَيْ لَا يَبْقَى لِلْعَبْدِ الْمَأْذُونِ بَعْدَ بَيْعِهِ مَا ثَبَتَ لَهُ مِنْ الْإِذْنِ قَبْلَ الْبَيْعِ بِحُكْمِ أَنَّهُ مِلْكُ الْمَوْلَى فَلَا جَرَمَ لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ بِمَا فِي يَدِهِ بَعْدَ الْبَيْعِ لِعَدَمِ بَقَاءِ الْإِذْنِ اهـ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ عَدَمَ بَقَاءِ الْإِذْنِ مُقَرَّرٌ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ أَيْضًا، وَهُوَ مَا إذَا حَجَرَ الْمَوْلَى عَلَى الْمَأْذُونِ لَهُ بِدُونِ أَنْ يَبِيعَهُ، وَالْمُصَنِّفُ هَاهُنَا بِصَدَدِ الْفَرْقِ مِنْ قَبْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ مَا نَحْنُ فِيهِ وَبَيْنَ مَا إذَا بَاعَهُ، فَلَوْ كَانَ مُرَادُهُ بِمَا ثَبَتَ بِحُكْمِ الْمِلْكِ فِي قَوْلِهِ فَلَا يَبْقَى مَا ثَبَتَ بِحُكْمِ الْمِلْكِ هُوَ الْإِذْنُ لِمَا كَانَ لِذِكْرِ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ: أَعْنِي قَوْلَهُ فَلَا يَبْقَى مَا ثَبَتَ بِحُكْمِ الْمِلْكِ فَائِدَةٌ أَصْلًا هَاهُنَا لِعَدَمِ اخْتِصَاصِ عَدَمِ بَقَاءِ الْإِذْنِ بِمَا إذَا بَاعَهُ دُونَ مَا نَحْنُ فِيهِ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ الْمَذْكُورُ لَغْوًا مِنْ الْكَلَامِ، وَلَا يَنْبَغِي ذَلِكَ لِمِثْلِ الْمُصَنِّفِ، وَالْوَجْهُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِمَا ثَبَتَ بِحُكْمِ الْمِلْكِ فِي قَوْلِهِ الْمَزْبُورِ يَدُهُ الْحُكْمِيَّةُ كَمَا هُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ فِيمَا قَبْلُ وَالْيَدُ بَاقِيَةٌ حَقِيقَةً وَشَرْطُ بُطْلَانِهَا بِالْحَجْرِ حُكْمًا فَرَاغُهَا عَنْ حَاجَتِهِ. وَلَمَّا كَانَ تَبَدُّلُ الْمِلْكِ فِيمَا إذَا بَاعَهُ بِمَنْزِلَةِ تَبَدُّلِ الذَّاتِ لَمْ يَبْقَ مَا ثَبَتَ بِحُكْمِ الْمِلْكِ الْأَوَّلِ مِنْ يَدِهِ الْحُكْمِيَّةِ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ، فَإِنَّ الْبَدَنِيَّةَ بَاقِيَةٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا مَا لَمْ يُفَرِّعْ عَنْ حَاجَتِهِ، وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى تَظْهَرُ فَائِدَةُ هَاتِيك الْمُقَدِّمَةِ جِدًّا، فَتَأَمَّلْ وَكُنْ الْحَاكِمَ الْفَيْصَلَ
. (قَوْلَهُ وَإِذَا لَزِمَتْهُ دُيُونٌ تُحِيطُ بِمَالِهِ وَرَقَبَتِهِ إلَخْ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: إذَا لَزِمَتْهُ دُيُونٌ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تُحِيطَ بِمَالِهِ وَرَقَبَتِهِ، أَوْ لَا تُحِيطَ بِشَيْءٍ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute