لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِرَقَبَتِهِمَا اسْتِيفَاءً بِالْبَيْعِ فَلَمْ يَكُنْ الْمَوْلَى مُتْلِفًا حَقَّهُمْ فَلَمْ يَتَضَمَّنْ شَيْئًا.
يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ بَيْعُ الْمَرِيضِ مِنْ الْوَارِثِ بِمِثْلِ قِيمَةِ الْمَبِيعِ بِنَاءً عَلَى تَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِعَيْنِهِ فَكَيْفَ يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْهُ بِالْمُحَابَاةِ، وَقَدْ سَلَكَ هَاهُنَا أَيْضًا مَسْلَكَ الدَّلَالَةِ فَلَا مَحْذُورَ فِي تَرْكِ الْوَاوِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَجْعَلَ قَوْلَهُ الْمَذْكُورَ مُتَعَلِّقًا بِحُكْمِ قَوْلِهِ الْمُتَّصِلِ بِهِ.
وَقَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: قُلْت يَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ بِالْمَسْأَلَةِ بِلَا وَاوٍ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَسْأَلَةٍ مُورِدَةٍ نَقْضًا عَلَى مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ دُونَ قَوْلِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَابَى الْأَجْنَبِيَّ؛ لِأَنَّهُ لِبَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا إذَا بَاعَهُ مِنْ الْمَوْلَى بِنُقْصَانٍ لَمْ يَجُزْ وَمَعَ الْأَجْنَبِيِّ جَازَ، وَإِنَّمَا أَدْخَلَ الْوَاوَ فِيهِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ نَقْضٌ عَلَى بَيْعِ الْمَرِيضِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ بِالْمُحَابَاةِ فَأَدْخَلَ الْوَاوَ لِدَفْعِ هَذَا الْوَهْمِ اهـ. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِسَدِيدٍ.
أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَسْأَلَةٍ مُورِدَةٍ نَقْضًا عَلَى مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ دُونَ قَوْلِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَابَى الْأَجْنَبِيَّ؛ لِأَنَّهُ لِبَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا إذَا بَاعَهُ مِنْ الْمَوْلَى بِنُقْصَانٍ لَمْ يَجُزْ وَمَعَ الْأَجْنَبِيِّ جَازَ كَلَامٌ خَالٍ عَنْ التَّحْصِيلِ؛ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ الْكِتَابِ هَاهُنَا اثْنَتَانِ: أُولَاهُمَا قَوْلُهُ وَإِذَا بَاعَ مِنْ الْمَوْلَى شَيْئًا بِمِثْلِ قِيمَتِهِ جَازَ، وَأُخْرَاهُمَا قَوْلُهُ وَإِنْ بَاعَهُ بِنُقْصَانٍ لَمْ يَجُزْ، فَكَمَا أَنَّ قَوْلَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْمَرِيضُ مِنْ الْوَارِثِ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ انْتِقَاضِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى بِمَسْأَلَةِ بَيْعِ الْمَرِيضِ مِنْ الْوَارِثِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ، كَذَلِكَ قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا حَابَى الْأَجْنَبِيَّ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ انْتِقَاضِ الْمَسْأَلَةِ الْأُخْرَى بِمَسْأَلَةِ الْمُحَابَاةِ الْمَأْذُونِ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ، وَكَمَا أَنَّ قَوْلَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا حَابَى الْأَجْنَبِيَّ لِبَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا إذَا بَاعَ الْمَأْذُونُ مِنْ مَوْلَاهُ شَيْئًا بِنُقْصَانٍ وَبَيْنَ مَا إذَا بَاعَهُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ بِنُقْصَانٍ كَذَلِكَ قَوْلُهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْمَرِيضُ مِنْ الْوَارِثِ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ لِبَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا إذَا بَاعَ الْمَأْذُونُ مِنْ مَوْلَاهُ شَيْئًا بِمِثْلِ قِيمَتِهِ وَبَيْنَ مَا إذَا بَاعَهُ الْمَرِيضُ مِنْ وَارِثِهِ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ.
فَإِنْ أَرَادَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ بِقَوْلِهِ الْمَذْكُورِ أَنَّ الْأُولَى مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ الْمَزْبُورَتَيْنِ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ: أَيْ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ دُونَ الْأُخْرَى مِنْهُمَا فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، إذْ كِلْتَاهُمَا مَسْأَلَتَانِ مَذْكُورَتَانِ مَعًا فِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ، وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُمَا وَإِنْ كَانَتَا مَعًا مَسْأَلَتَيْ الْكِتَابِ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْمَرِيضُ إلَخْ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ الِانْتِقَاضِ دُونَ قَوْلِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَابَى الْأَجْنَبِيَّ فَإِنَّهُ لِبَيَانِ الْفَرْقِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّ دَفْعَ تَوَهُّمِ الِانْتِقَاضِ إنَّمَا يَكُونُ بِبَيَانِ الْفَرْقِ، فَقَصْدُ أَحَدِهِمَا يَسْتَلْزِمُ قَصْدَ الْآخَرِ عَلَى أَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِهَذَا الْمَعْنَى فِي إثْبَاتِ الْمَسْأَلَةِ بِلَا وَاوٍ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ فَلَا يَثْبُتُ مُدَّعَاهُ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّ قَوْلَهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْمَرِيضُ مُتَعَلِّقٌ بِأُولَى مَسْأَلَتَيْ الْكِتَابِ، وَقَوْلُهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا حَابَى الْأَجْنَبِيَّ مُتَعَلِّقٌ بِأُخْرَاهُمَا فَلَا مَعْنَى لِلْوَاوِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأُولَى؟ قُلْنَا: قَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأَدَبِ أَنَّ الْوَاوَ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ لَا تَرْتِيبَ فِيهَا، فَمَدْخُولُهَا لَا يَقْتَضِي التَّأَخُّرَ لَا فِي الْوُقُوعِ وَلَا فِي التَّعَلُّقِ، فَلَا مَحْذُورَ فِي إتْيَانِ الْوَاوِ هَاهُنَا أَصْلًا.
وَأَمَّا ثَانِيًا؛ فَلِأَنَّ قَوْلَهُ وَإِنَّمَا أَدْخَلَ الْوَاوَ فِيهِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ نَقْضٌ عَلَى بَيْعِ الْمَرِيضِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ بِالْمُحَابَاةِ فَأَدْخَلَ الْوَاوَ لِدَفْعِ هَذَا الْوَهْمِ لَيْسَ بِتَامٍّ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْوَاوُ فِيهِ لِلْعَطْفِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ الْمُتَبَادَرُ.
فَإِنْ كَانَ الْمَحَلُّ صَالِحًا لِلْعَطْفِ فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ مِنْ قَبْلُ يَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ بِالْمَسْأَلَةِ بِلَا وَاوٍ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَسْأَلَةٍ مُورِدَةٍ نَقْضًا عَلَى مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَالِحًا لَهُ فَكَيْفَ يَصِحُّ إدْخَالُ وَاوِ الْعَطْفِ فِيمَا لَا يَصْلُحُ لِلْعَطْفِ لِمُجَرَّدِ دَفْعِ تَوَهُّمِ شَيْءٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْوَاوُ لِلْعَطْفِ فَمِنْ أَيْنَ يَنْدَفِعُ ذَلِكَ التَّوَهُّمُ، وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْوَاوِ بِجَعْلِهِ مُتَعَلِّقًا بِأَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ، وَفِي كَلَامِهِ تَعْقِيدٌ، وَتَقْدِيرُ كَلَامِهِ هَكَذَا: وَإِنْ بَاعَ مِنْ الْمَوْلَى شَيْئًا بِمِثْلِ الْقِيمَةِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ كَالْأَجْنَبِيِّ عَنْ كَسْبِهِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْمَرِيضُ مِنْ الْوَارِثِ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ حَقَّ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ تَعَلَّقَ بِعَيْنِهِ: أَيْ عَيْنِ مَالِ الْمَيِّتِ حَتَّى كَانَ لِأَحَدِهِمْ الِاسْتِخْلَاصُ بِأَدَاءِ قِيمَتِهِ.
أَمَّا حَقُّ الْغُرَمَاءِ فَيَتَعَلَّقُ بِالْمَالِيَّةِ لَا غَيْرَ فَافْتَرَقَا: أَيْ الْمَوْلَى وَالْمَرِيضُ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ مِنْ الْمَوْلَى بِمِثْلِ الْقِيمَةِ دُونَ الْوَارِثِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَذْكُرُ قَوْلَهُ وَإِنْ بَاعَ بِنُقْصَانٍ لَمْ يَجُزْ. . . إلَخْ. اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ أَنَّ جَعْلَ الظَّاهِرِ هَاهُنَا عَدَمَ الْوَاوِ وَبِنَاءَهُ عَلَى حَمْلِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى مِثْلِ هَذَا التَّعْقِيدِ الْقَبِيحِ عُدُولٌ عَنْ سُنَنِ الصَّوَابِ وَخُرُوجٌ عَنْ دَائِرَةِ الْإِنْصَافِ، وَلَعَلَّ هَذَا أَقْبَحُ الِاحْتِمَالَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي حَلِّ هَذَا الْمَحَلِّ. ثُمَّ إنَّ فِي تَقْرِيرِهِ خَلَلًا آخَرَ فَإِنَّهُ قَالَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَافْتَرَقَا:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute