للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَإِنَّمَا يُنْتَقَلُ إلَى الْقِيمَةِ بِالِانْقِطَاعِ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الِانْقِطَاعِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ النَّقْلَ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الِانْقِطَاعِ، وَلِهَذَا لَوْ صَبَرَ إلَى أَنْ يُوجَدَ جِنْسُهُ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْخُصُومَةِ وَالْقَضَاءِ بِخِلَافِ مَا لَا مِثْلَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مُطَالَبٌ بِالْقِيمَةِ بِأَصْلِ السَّبَبِ كَمَا وُجِدَ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ عِنْدَ ذَلِكَ. .

قَالَ (وَمَا لَا مِثْلَ لَهُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ غَصَبَهُ) مَعْنَاهُ الْعَدَدِيَّاتُ الْمُتَفَاوِتَةُ،

تَقْتَضِي تَأْخِيرَ دَلِيلِهِ إذْ مِنْ عَادَةِ الْمُصَنِّفِ الْمُسْتَمِرَّةِ أَنْ يُؤَخِّرَ الْقَوِيَّ عِنْدَ ذِكْرِ الْأَدِلَّةِ عَلَى الْأَقْوَالِ الْمُخْتَلِفَةِ لِيَقَعَ الْمُؤَخَّرُ بِمَنْزِلَةِ الْجَوَابِ عَنْ الْمُقَدَّمِ، وَإِنْ كَانَ يُقَدِّمُ الْقَوِيَّ فِي الْأَكْثَرِ عِنْدَ نَقْلِ أَصْلِ الْأَقْوَالِ، وَهَذَا مِمَّا لَا سُتْرَةَ بِهِ عِنْدَ مَنْ لَهُ قَدَمٌ رَاسِخٌ فِي مَعْرِفَةِ أَسَالِيبِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي فَلِأَنَّ إثْبَاتَ تِلْكَ الْأَقْوَالِ بِحَسَبِ التَّرْتِيبِ الزَّمَانِيِّ مِمَّا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ نَظَرٌ فِقْهِيٌّ أَصْلًا، فَتَغْيِيرُ الْمُصَنِّفِ أُسْلُوبَهُ الْمُقَرَّرَ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ الْأَمْرِ الْوَهْمِيِّ مِمَّا لَا يُنَاسِبُ بِشَأْنِهِ الرَّفِيعِ، فَالْوَجْهُ عِنْدِي أَنَّ الْمُصَنِّفَ جَرَى هَاهُنَا أَيْضًا عَلَى عَادَتِهِ الْمُقَرَّرَةِ مِنْ تَأْخِيرِ الْأَقْوَى فَالْأَقْوَى عِنْدَ ذِكْرِ الْأَدِلَّةِ عَلَى الْأَقْوَالِ الْمُخْتَلِفَةِ لِيَحْصُلَ الْجَوَابُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِ لِلْمُتَقَدِّمِ كَمَا حَصَلَ هَاهُنَا أَيْضًا ذَلِكَ عَلَى مَا يَشْهَدُ بِهِ التَّأَمُّلُ الصَّادِقُ. قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ: أَقُولُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَعْدَلُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ نَوْعِهِ فِي يَوْمِ الْخُصُومَةِ، وَالْقِيمَةُ تُعْتَبَرُ بِكَثْرَةِ الرَّغَبَاتِ وَقِلَّتِهَا، وَفِي الْمَعْدُومِ هَذَا مُتَعَذِّرٌ أَوْ مُتَعَسِّرٌ، وَيَوْمَ الِانْقِطَاعِ لَا ضَبْطَ لَهُ. وَأَيْضًا لَمْ يَنْتَقِلْ إلَى الْقِيمَةِ فِي هَذَا الْيَوْمِ إذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمَالِكِ طَلَبٌ، وَأَيْضًا عِنْدَ وُجُودِ الْمِثْلِ لَمْ يَنْتَقِلْ وَعِنْدَ عَدَمِهِ لَا قِيمَةَ لَهُ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ.

وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِمَا ذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ حَيْثُ قَالَ: وَحَدُّ الِانْقِطَاعِ مَا ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ الثَّلْجِيُّ، وَهُوَ أَنْ لَا يُوجَدَ فِي السُّوقِ الَّذِي يُبَاعُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ يُوجَدُ فِي الْبُيُوتِ، وَعَلَى هَذَا انْقِطَاعُ الدَّرَاهِمِ اهـ. وَقَدْ سَبَقَهُ إلَى هَذَا الْجَوَابِ صَاحِبُ الْإِصْلَاحِ وَالْإِيضَاحِ. أَقُولُ: وَيُمْكِنُ رَدُّ هَذَا الْجَوَابِ بِأَنْ يَجُوزَ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ بِالْمَعْدُومِ مَا هُوَ مَعْدُومٌ فِي السُّوقِ الَّذِي يُبَاعُ فِيهِ لَا الْمَعْدُومَ فِي الْخَارِجِ مُطْلَقًا، وَكَأَنَّهُ لِهَذَا قَالَ: وَفِي الْمَعْدُومِ هَذَا مُتَعَذِّرٌ أَوْ مُتَعَسِّرٌ: يَعْنِي أَنَّهُ بَعْدَمَا عَدِمَ فِي السُّوقِ الَّذِي يُبَاعُ فِيهِ إنْ لَمْ يُوجَدْ فِي الْبُيُوتِ أَيْضًا يَتَعَذَّرُ التَّقْوِيمُ، وَإِنْ وُجِدَ فِيهَا يَتَعَسَّرُ التَّقْوِيمُ؛ لِأَنَّ مِعْيَارَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ هُوَ السُّوقُ الَّذِي يُبَاعُ فِيهِ الْأَشْيَاءُ، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ لَا يَتَيَسَّرُ التَّقْوِيمُ الْعَادِلُ، وَكَذَا مُرَادُهُ بِعَدَمِ بَقَاءِ شَيْءٍ فِي قَوْلِهِ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ نَوْعِهِ فِي يَوْمِ الْخُصُومَةِ عَدَمُ بَقَائِهِ فِي السُّوقِ الَّذِي يُبَاعُ فِيهِ، فَعَلَى هَذَا لَا يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ بِمَا ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ الثَّلْجِيُّ فِي حَدِّ الِانْقِطَاعِ كَمَا لَا يَخْفَى.

(قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا لَا مِثْلَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مُطَالَبٌ بِالْقِيمَةِ بِأَصْلِ السَّبَبِ كَمَا وُجِدَ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ عِنْدَ ذَلِكَ) أَقُولُ: فِيهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يَتِمُّ عَلَى مَا سَيَجِيءُ عَنْ قَرِيبٍ مِنْ أَنَّ الْمُوجِبَ الْأَصْلِيَّ فِي الْغَصْبِ عَلَى مَا قَالُوا هُوَ رَدُّ الْعَيْنِ، وَإِنَّمَا رَدُّ الْقِيمَةِ مُخَلِّصٌ خَلْفًا، إذْ الْمُطَالِبُ بِأَصْلِ السَّبَبِ حِينَئِذٍ فِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ أَيْضًا إنَّمَا هُوَ رَدُّ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ الْأَصْلِيُّ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ إلَى الْقِيمَةِ بِهَلَاكِ الْعَيْنِ فَيَنْبَغِي أَنْ تُعْتَبَرَ قِيمَتُهُ وَقْتَ هَلَاكِ عَيْنِهِ لَا وَقْتَ وُجُودِ أَصْلِ السَّبَبِ وَهُوَ الْغَصْبُ، أَلَا يَرَى أَنَّ الْوَاجِبَ بَعْدَ هَلَاكِ الْعَيْنِ فِيمَا لَهُ مِثْلٌ هُوَ الْمِثْلُ فِي الذِّمَّةِ، وَإِنَّمَا يُنْتَقَلُ إلَى الْقِيمَةِ بِالِانْقِطَاعِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ وَقْتِ الِانْقِطَاعِ عِنْدَهُ، وَبِقَضَاءِ الْقَاضِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ وَقْتَ الْخُصُومَةِ وَالْقَضَاءِ عِنْدَهُ وَلَا تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ وَقْتَ وُجُودِ أَصْلِ السَّبَبِ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْهُمَا.

وَبِالْجُمْلَةِ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا لَا مِثْلَ لَهُ وَبَيْنَ مَا لَهُ مِثْلٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ بِأَنَّ الْقِيمَةَ تُعْتَبَرُ فِي الْأَوَّلِ عِنْدَ وُجُودِ أَصْلِ السَّبَبِ، وَفِي الثَّانِي عِنْدَ الِانْتِقَالِ إلَى الْقِيمَةِ غَيْرُ وَاضِحٍ عَلَى مَا قَالُوا: إنَّ الْمُوجِبَ الْأَصْلِيَّ فِي الْغَصْبِ مُطْلَقًا هُوَ رَدُّ الْعَيْنِ، وَإِنَّمَا رَدُّ الْقِيمَةِ مُخَلِّصٌ خَلْفًا كَمَا سَيَجِيءُ: وَأَمَّا عَلَى مَا قِيلَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>