للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلِأَنَّ الْمِثْلَ أَعْدَلُ لِمَا فِيهِ مِنْ مُرَاعَاةِ الْجِنْسِ وَالْمَالِيَّةِ فَكَانَ أَدْفَعَ لِلضَّرَرِ. قَالَ (فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مِثْلِهِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ يَخْتَصِمُونَ) وَهَذَا (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَوْمَ الْغَصْبِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَوْمَ الِانْقِطَاعِ) لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَمَّا انْقَطَعَ الْتَحَقَ بِمَا لَا مِثْلَ لَهُ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ انْعِقَادِ السَّبَبِ إذْ هُوَ الْمُوجِبُ. وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْوَاجِبَ الْمِثْلُ فِي الذِّمَّةِ.

كَلَامِهِ عَلَى ذَلِكَ

(قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْمِثْلَ أَعْدَلُ لِمَا فِيهِ مِنْ مُرَاعَاةِ الْجِنْسِ وَالْمَالِيَّةِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ: لِأَنَّ الْحِنْطَةَ مِثْلًا مِثْلُ الْحِنْطَةِ جِنْسًا، وَمَالِيَّةُ الْحِنْطَةِ الْمُؤَدَّاةِ مِثْلُ مَالِيَّةِ الْحِنْطَةِ الْمَغْصُوبَةِ؛ لِأَنَّ الْجُودَةَ سَاقِطَةُ الْعِبْرَةِ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ اهـ.

أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّعَرُّضِ هَاهُنَا لِبَيَانِ كَوْنِ الْجُودَةِ سَاقِطَةَ الْعِبْرَةِ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ دَفْعُ وُرُودِ سُؤَالٍ عَلَى أَنْ يَكُونَ فِي إيجَابِ الْمِثْلِ مُرَاعَاةُ الْمَالِيَّةِ بِظُهُورِ تَحَقُّقِ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ بِالْجُودَةِ وَالرَّدَاءَةِ، وَلَكِنَّ انْدِفَاعَهُ بِذَلِكَ غَيْرُ وَاضِحٍ عِنْدِي؛ لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِكَوْنِ الْجُودَةِ سَاقِطَةَ الْعِبْرَةِ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ أَنَّهُ لَا تَفَاوَتَ بَيْنَ جَيِّدِهَا وَرَدِيئِهَا فِي الْمَالِيَّةِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ، إذْ التَّفَاضُلُ فِي الْقِيمَةِ بَيْنَهُمَا فِي الْمُتَعَارَفِ ظَاهِرٌ جِدًّا.

وَإِنْ أُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِالتَّفَاوُتِ بَيْنَ الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ فِي وَصْفِ الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ عِنْدَ أَهْلِ الشَّرْعِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ «جَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ» فَهُوَ مُسَلَّمٌ لَا كَلَامَ فِيهِ، لَكِنْ لَا يَنْدَفِعُ بِهِ السُّؤَالُ الْمُتَّجِهُ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا لِمَا فِيهِ مِنْ مُرَاعَاةِ الْجِنْسِ وَالْمَالِيَّةِ بِأَنَّ مُرَاعَاةَ الْمَالِيَّةِ فِي إيجَابِ الْمِثْلِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ لِتَحَقُّقِ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ بِالْجُودَةِ وَالرَّدَاءَةِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي التَّفَاوُتَ بَيْنَهُمَا فِي الْمَالِيَّةِ، بَلْ لَا يَخْفَى عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ أَنَّ عَدَمَ الِاعْتِبَارِ لِتَفَاوُتِ الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ فِي وَصْفِ الْجُودَةِ وَالرَّدَاءَةِ عِنْدَ أَهْلِ الشَّرْعِ يُؤَيِّدُ وَرَوَّدَ ذَلِكَ السُّؤَالَ هَاهُنَا، إذْ لَوْ كَانَ عِنْدَهُمْ اعْتِبَارٌ لِتَفَاوُتِهَا فِي ذَلِكَ لَمَا تَصَوَّرَ التَّفَاوُتَ فِي الْمَالِيَّةِ عِنْدَ مُرَاعَاةِ التَّسَاوِي فِي الْوَصْفِ أَيْضًا تَأَمَّلْ تَقِفْ (قَوْلُهُ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَمَّا انْقَطَعَ الْتَحَقَ بِمَا لَا مِثْلَ لَهُ فَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ يَوْمِ انْعِقَادِ السَّبَبُ إذْ هُوَ الْمُوجِبُ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: فَإِنْ قُلْت: لِمَ قَدَّمَ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ فِي التَّعْلِيلِ وَلَمْ يُوَسِّطْهُ كَمَا هُوَ حَقُّهُ؟ قُلْت: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ الْمُخْتَارُ قَوْلُهُ لِقُوَّةِ دَلِيلِهِ إذْ فِيهِ إثْبَاتُ الْحُكْمِ بِحَسَبِ ثُبُوتِ الْمُوجِبِ؛ لِأَنَّ الْمَغْصُوبَ دَخَلَ فِي ضَمَانِ الْغَاصِبِ مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ اعْتِبَارُ الْقِيمَةِ مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ. وَالثَّانِي لِإِثْبَاتِ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ بِحَسَبِ تَرْتِيبِ الزَّمَانِ عَلَى تِلْكَ الْأَقْوَالِ، فَإِنَّ أَوَّلَ الْأَوْقَاتِ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ يَوْمُ الْغَصْبِ، ثُمَّ يَوْمُ الِانْقِطَاعِ، ثُمَّ يَوْمُ الْخُصُومَةِ. فَإِيرَادُ الْأَقْوَالِ عَلَى تَرْتِيبِ هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ لَمْ يَتَأَتَّ إلَّا بِتَقْدِيمِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ثُمَّ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ ثُمَّ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ كَلَامَهُ. وَقَدْ ذَكَرَ الْوَجْهَ الثَّانِي فَقَطْ بِطَرِيقِ الْإِجْمَالِ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَيْضًا، وَكَذَا ذَكَرَ ذَلِكَ الْوَجْهَ فَقَطْ فِي الْعِنَايَةِ أَيْضًا وَلَكِنْ بِطَرِيقِ النَّقْلِ بِقِيلَ. أَقُولُ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ ذَيْنِك الْوَجْهَيْنِ مَنْظُورٌ فِيهِ.

أَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ مَا ذُكِرَ فِيهِ لَا يَدُلُّ عَلَى قُوَّةِ دَلِيلِ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْمَغْصُوبَ الْمِثْلِيَّ إنَّمَا دَخَلَ فِي ضَمَانِ الْغَاصِبِ وَقْتَ الْغَصْبِ بِضَمَانِ الْمِثْلِ، ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى ضَمَانِ الْقِيمَةِ بِالِانْقِطَاعِ كَمَا أَفْصَحَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ فِي ذِكْرِ دَلِيلِ مُحَمَّدٍ، فَمِنْ أَيْنَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ اعْتِبَارُ الْقِيمَةِ مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ دُونَ وَقْتِ الِانْقِطَاعِ حَتَّى يَلْزَمَ قُوَّةُ دَلِيلِهِ، وَلَوْ سَلَّمَ قُوَّةَ دَلِيلِهِ فَهِيَ

<<  <  ج: ص:  >  >>