حَتَّى كَانَ اسْتِخْدَامُ الْعَبْدِ وَحَمْلُ الدَّابَّةِ غَصْبًا دُونَ الْجُلُوسِ عَلَى الْبِسَاطِ، ثُمَّ إنْ كَانَ مَعَ الْعِلْمِ فَحُكْمُهُ الْمَأْثَمُ وَالْمَغْرَمُ، وَإِنْ كَانَ بِدُونِهِ فَالضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَصْدِهِ وَلَا إثْمَ؛ لِأَنَّ الْخَطَأَ مَوْضُوعٌ.
. قَالَ (وَمَنْ غَصَبَ شَيْئًا لَهُ مِثْلٌ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: فَعَلَيْهِ ضَمَانُ مِثْلِهِ، وَلَا تَفَاوُتَ بَيْنَهُمَا، وَهَذَا لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْمِثْلُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾
أَنَّهُ إذَا تَعَدَّى فِيهَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ قَاطِبَةً أَيْضًا وَسَيَجِيءُ فِي الْكِتَابِ، وَكَذَا إذَا قَتَلَ رَجُلٌ عَبْدَ رَجُلٍ خَطَأً فِي يَدِ مَالِكِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ قِيمَةِ الْعَبْدِ بِلَا خِلَافٍ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِغَصْبٍ فِي الشَّرْعِ عِنْدَ أَحَدٍ. وَبِالْجُمْلَةِ فَرْقٌ بَيْنَ ضَمَانِ الْغَصْبِ وَضَمَانِ الْإِتْلَافِ كَمَا نَصُّوا عَلَيْهِ، فَمِنْ أَيْنَ ثَبَتَ تَحَقُّقُ حَقِيقَةِ الْغَصْبِ الشَّرْعِيِّ فِي إتْلَافِ الْمَوْقُوفِ حَتَّى يُرَدَّ بِهِ النَّقْضُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ ثِقَاتُ الْمَشَايِخِ فِي تَعْرِيفِ الْغَصْبِ فَيُحْتَاجُ إلَى تَغْيِيرِهِ؟
(قَوْلُهُ حَتَّى كَانَ اسْتِخْدَامُ الْعَبْدِ وَحَمْلُ الدَّابَّةِ غَصْبًا دُونَ الْجُلُوسِ عَلَى الْبِسَاطِ)؛ لِأَنَّهُ بِالِاسْتِخْدَامِ وَالْحَمْلِ أَثْبَتَ يَدَ التَّصَرُّفِ عَلَيْهِ، وَمِنْ ضَرُورَاتِهِ إزَالَةُ يَدِ الْمَالِكِ عَنْهُ فَتَحَقَّقَ الْغَصْبُ. بِخِلَافِ الْجُلُوسِ عَلَى الْبِسَاطِ؛ لِأَنَّ الْبَسْطَ فِعْلُ الْمَالِكِ وَقَدْ بَقِيَ أَثَرُ فِعْلِهِ فِي الِاسْتِعْمَالِ وَمَا بَقِيَ أَثَرُ فِعْلِهِ تَبْقَى يَدُهُ، فَلَمْ يُوجَدَ إزَالَةُ يَدِ الْمَالِكِ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْغَصْبُ، كَذَا قَالُوا. قَالَ ابْنُ الْعِزِّ: وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا مُؤَاخَذَةٌ لَفْظِيَّةٌ، وَهِيَ فِي قَوْلِهِ وَحَمْلِ الدَّابَّةِ: يَعْنِي وَالْحَمْلُ عَلَيْهَا وَحَقُّهُ أَنْ يَقُولَ وَتَحْمِيلُ الدَّابَّةِ؛ لِأَنَّ حَمَلَ لَا يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ إلَى اثْنَيْنِ وَإِنَّمَا يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ إلَى وَاحِدٍ وَإِلَى آخَرَ بِحَرْفِ الْجَرِّ، تَقُولُ حَمَلَتْ الْمَتَاعَ عَلَى الدَّابَّةِ فَيَصِحُّ إضَافَةُ الْمَصْدَرِ مِنْهُ إلَى الْمَتَاعِ لَا إلَى الدَّابَّةِ فَتَقُولُ: حَمْلُ الْمَتَاعِ وَلَا تَقُولُ حَمْلُ الدَّابَّةِ، إلَّا أَنْ يُضَعَّفَ الْفِعْلُ فَيَتَعَدَّى إلَى اثْنَيْنِ بِنَفْسِهِ فَتَقُولُ: حَمَّلْت الدَّابَّةَ الْمَتَاعَ، فَحِينَئِذٍ تَصِحُّ إضَافَةُ مَصْدَرِهِ إلَى الدَّابَّةِ فَتَقُولُ تَحْمِيلُ الدَّابَّةِ؛ لِأَنَّ التَّحْمِيلَ مَصْدَرُ حَمَّلَ الْمُضَعَّفُ لِلتَّعْدِيَةِ اهـ كَلَامَهُ.
أَقُولُ: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ ظَاهِرٌ، وَكَأَنَّ صَاحِبَ الْكَافِي عَنْ هَذَا غَيَّرَ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا فَقَالَ: حَتَّى كَانَ اسْتِخْدَامُ عَبْدِ الْغَيْرِ وَالْحَمْلُ عَلَى دَابَّةِ الْغَيْرِ غَصْبًا، وَلَكِنْ يُمْكِنُ تَوْجِيهُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا بِمَا وَجَّهَ بِهِ الْفَاضِلُ الشَّرِيفُ فِي شَرْحِ الْمِفْتَاحِ قَوْلَ الْعَلَّامَةِ الْكَاكِيِّ افْتِخَارًا بِمُوَاظَبَتِهَا حَيْثُ قَالَ: وَالْأَصْلُ أَنْ يُقَالَ بِالْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهَا: أَيْ عَلَى الْعِبَادَةِ، إلَّا أَنَّهُ نَزَعَ الْخَافِضَ وَعَدَّى الْمَصْدَرَ بِالْإِيصَالِ اهـ. وَقَصَدَ بِهِ الْجَوَابَ عَنْ قَوْلِ الْمُحَقِّقِ التَّفْتَازَانِيِّ هُنَاكَ، وَفِي تَعْدِيَةِ الْمُوَاظَبَةِ بِنَفْسِهَا نَظَرٌ، وَالصَّوَابُ بِالْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهَا اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ ثُمَّ إنْ كَانَ مَعَ الْعِلْمِ فَحُكْمُهُ الْمَأْثَمُ وَالْمَغْرَمُ، وَإِنْ كَانَ بِدُونِهِ فَالضَّمَانُ) أَقُولُ: هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ فِيمَا إذَا هَلَكَ الْمَغْصُوبُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ قَائِمًا فِي يَدِهِ فَحُكْمُهُ رَدُّ الْعَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ، وَكَانَ الْمُنَاسِبُ بِهَذَا الْمَقَامِ بَيَانُ حُكْمِهِ الْكُلِّيِّ دُونَ حُكْمِهِ الْخَاصِّ بِصُورَةِ الْهَلَاكِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَبْنِيَ كَلَامَهُ هُنَا عَلَى مَا قِيلَ إنَّ الْمُوجِبَ الْأَصْلِيَّ لِلْغَصْبِ مُطْلَقًا هُوَ الْقِيمَةُ وَرَدُّ الْعَيْنِ مُخَلِّصٌ كَمَا سَيَجِيءُ ذِكْرُهُ، وَلَكِنَّهُ قَوْلٌ ضَعِيفٌ جِدًّا عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ تَقْرِيرُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا بَعْدُ وَصَرَّحُوا بِهِ فِي الشُّرُوحِ ثُمَّ، فَكَيْفَ يَلِيقُ بِمِثْلِ الْمُصَنِّفِ بِنَاءُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute