(وَالْوَاجِبُ الرَّدُّ فِي الْمَكَانِ الَّذِي غَصَبَهُ) لِتَفَاوُتِ الْقِيَمِ بِتَفَاوُتِ الْأَمَاكِنِ (فَإِنْ ادَّعَى هَلَاكَهَا حَبَسَهُ الْحَاكِمُ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بَاقِيَةً لَأَظْهَرَهَا ثُمَّ قَضَى عَلَيْهِ بِبَدَلِهَا)؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ رَدُّ الْعَيْنِ وَالْهَلَاكُ بِعَارِضٍ، فَهُوَ يَدَّعِي أَمْرًا عَارِضًا خِلَافَ الظَّاهِرِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ، كَمَا إذَا ادَّعَى الْإِفْلَاسَ وَعَلَيْهِ ثَمَنُ مَتَاعٍ فَيُحْبَسُ إلَى أَنْ يُعْلَمَ مَا يَدَّعِيهِ، فَإِذَا عَلِمَ الْهَلَاكَ سَقَطَ عَنْهُ رَدُّهُ فَيَلْزَمُهُ رَدُّ بَدَلِهِ وَهُوَ الْقِيمَةُ. .
قَالَ (وَالْغَصْبُ فِيمَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ)؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ بِحَقِيقَتِهِ يَتَحَقَّقُ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ إزَالَةَ الْيَدِ بِالنَّقْلِ.
(وَإِذَا غَصَبَ عَقَارًا فَهَلَكَ فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ) وَهَذَا
فِي قَوْلِهِ أَمَّا الْعَدَدِيُّ الْمُتَقَارِبُ فَهُوَ كَالْمَكِيلِ حَتَّى يَجِبَ مِثْلُهُ لِقِلَّةِ التَّفَاوُتِ هُوَ الْمَكِيلُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ بَعْدَهُ وَفِي الْبُرِّ الْمَخْلُوطِ بِالشَّعِيرِ الْقِيمَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ، وَبِقَرِينَةِ شُهْرَةِ اعْتِبَارِ الْجِنْسِ مَعَ الْمَكِيلِ فِي تَحَقُّقِ الْمُمَاثَلَةِ فِي الْكَيْلِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي بَابِ الرِّبَا مِنْ الْبُيُوعِ
(قَوْله وَالْغَصْبُ فِيمَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ) أَيْ الْغَصْبُ يَتَقَرَّرُ فِيمَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ بِحَقِيقَتِهِ وَيَتَحَقَّق فِيهِ، كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. ثُمَّ إنَّ الْمَقْصُودَ بَيَانُ تَحَقُّقِ الْغَصْبِ فِيمَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ دُونَ غَيْرِهِ لَا بَيَانُ مُجَرَّدِ تَحَقُّقِهِ فِي الْمَنْقُولِ، إذْ لَا خِلَافَ فِيهِ وَلَا اشْتِبَاهَ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ وَالِاشْتِبَاهُ فِي عَدَمِ تَحَقُّقِهِ فِي غَيْرِ الْمَنْقُولِ فَهُوَ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ بِالْبَيَانِ هَاهُنَا فَالْقَصْرُ مُعْتَبَرٌ فِي التَّرْكِيبِ الْمَذْكُورِ: أَعْنِي قَوْلَهُ وَالْغَصْبُ فِيمَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ تَاجُ الشَّرِيعَةِ حَيْثُ قَالَ فِي تَفْسِيرِ ذَلِكَ: أَيْ تَحَقُّقِ الْغَصْبِ فِي الْمَنْقُولِ دُونَ غَيْرِهِ. وَأَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ فِي تَفْسِيرِ ذَلِكَ: أَيْ تَحَقُّقُ الْغَصْبِ فِي الْمَنْقُولِ دُونَ غَيْرِهِ، وَأَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ: الْغَصْبُ كَائِنٌ فِيمَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ لَا فِي الْعَقَارِ، بَلْ أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ نَفْسُهُ حَيْثُ قَالَ فِي تَعْلِيلِ ذَلِكَ: لِأَنَّ الْغَصْبَ بِحَقِيقَتِهِ يَتَحَقَّقُ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ. قُلْت: بَقِيَ الْكَلَامُ فِي أَنَّ أَدَاةَ الْقَصْرِ فِي التَّرْكِيبِ الْمَزْبُورِ مَاذَا؟ فَلَعَلَّهَا هِيَ تَعْرِيفُ الْمُسْنَدِ إلَيْهِ فَاللَّامُ الْجِنْسِ، فَإِنَّهُ يُفِيدُ قَصْرَ الْمُسْنَدِ إلَيْهِ عَلَى الْمُسْنَدِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي عِلْمِ الْأَدَبِ، وَمَثَّلُوهُ بِنَحْوِ التَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ وَالْكَرَمِ فِي الْعَرَبِ وَالْإِمَامِ مِنْ قُرَيْشٍ.
(قَوْلُهُ لِأَنَّ الْغَصْبَ بِحَقِيقَتِهِ يَتَحَقَّقُ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ إزَالَةَ الْيَدِ بِالنَّقْلِ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا الْقَدْرُ مِنْ الدَّلِيلِ بِدُونِ التَّفْصِيلِ الْآتِي فِي دَلِيلِ عَدَمِ الضَّمَانِ فِي غَصْبِ الْعَقَارِ لَا يُفِيدُ الْمُدَّعِي هَاهُنَا كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ أَحَاطَ بِحَقِيقَةِ الْمَقَامِ خُبْرًا، وَبِذِكْرِ التَّفْصِيلِ الْآتِي هُنَاكَ يُسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِ الدَّلِيلِ هَاهُنَا. فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُكْتَفَى بِمَا سَيَأْتِي فِي تَعْلِيلِ جَوَابِ مَسْأَلَةِ غَصْبِ الْعَقَارِ الْمُتَفَرِّعَةِ عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ هَاهُنَا كَمَا اُكْتُفِيَ بِبَيَانِ الْخِلَافِ هُنَاكَ عَنْ بَيَانِهِ هَاهُنَا، فَإِنَّ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ هُنَاكَ مُتَحَقِّقٌ هَاهُنَا أَيْضًا لَا مَحَالَة
(قَوْله وَإِذَا غَصَبَ عَقَارًا فَهَلَكَ فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute