للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هُوَ الصَّحِيحُ قَالَ (وَإِذَا انْتَقَصَ بِالزِّرَاعَةِ يَغْرَمُ النُّقْصَانَ)؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ الْبَعْضَ فَيَأْخُذُ رَأْسَ مَالِهِ وَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ. قَالَ (وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ) وَسَنَذْكُرُ الْوَجْهَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ. .

قَالَ (وَإِذَا هَلَكَ النَّقْلِيُّ فِي يَدِ الْغَاصِبِ بِفِعْلِهِ أَوْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ ضَمِنَهُ)

كَمَا هُوَ الْمَقْصُودُ، فَالْوَجْهُ أَنْ يَكُونَ الْبَاءُ ثَمَّةَ لِلْمُصَاحِبَةِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى: وَلَهُمَا أَنَّ الْغَصْبَ إثْبَاتُ الْيَدِ مَعَ إزَالَةِ يَدِ الْمَالِكِ بِفِعْلٍ فِي الْعَيْنِ فَحِينَئِذٍ يَنْتَظِمُ الْمَعْنَى وَيَحْصُلُ الْمَقْصُودُ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ قَوْلِهِ فَانْتَفَى إزَالَةُ الْيَدِ بِدُونِ التَّقْيِيدِ أَنْ لَا تَتَحَقَّقُ إزَالَةُ الْيَدِ أَصْلًا فِي غَصْبِ الْعَقَارِ عِنْدَهُمَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ قَدْ مَرَّ فِي تَعْلِيلِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ إنَّ مِنْ ضَرُورَةِ إثْبَاتِ الْيَدِ زَوَالُ يَدِ الْمَالِكِ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ الْيَدَيْنِ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَفِي تَعْلِيلِ قَوْلِهِمَا هَاهُنَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لِنَفْيِ تِلْكَ الْمُقَدِّمَةِ، وَلَيْسَتْ بِقَابِلَةٍ لِلنَّفْيِ وَالْمَنْعِ لِتَقَرُّرِهَا وَبَدَاهَتِهَا فَلَا جَرَمَ كَانَتْ مُسَلَّمَةً عِنْدَهُمَا أَيْضًا فَكَيْفَ يَتِمُّ تَقْرِيرُ دَلِيلِهِمَا بِوَجْهِ يُشْعِرُ بِانْتِفَاءِ إزَالَةِ الْيَدِ أَصْلًا فِي غَصْبِ الْعَقَارِ؟

فَالْأَوْلَى فِي تَقْرِيرِ دَلِيلِهِمَا وَحَلِّ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا أَنْ يُقَالَ: وَلَهُمَا أَنَّ الْغَصْبَ إثْبَاتُ الْيَدِ الْعَادِيَةِ مَعَ إزَالَةِ يَدِ الْمَالِكِ بِفِعْلٍ فِي الْعَيْنِ لَا مَعَ إزَالَةِ يَدِ الْمَالِكِ مُطْلَقًا: أَيْ سَوَاءً كَانَتْ بِفِعْلٍ فِي الْعَيْنِ أَوْ بِفِعْلٍ فِي الْمَالِكِ، وَمَا كَانَ مِنْ ضَرُورَةِ إثْبَاتِ الْيَدِ إنَّمَا هُوَ زَوَالُ يَدِ الْمَالِكِ مُطْلَقًا لَا زَوَالُهَا بِوَجْهٍ خَاصٍّ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بِفِعْلٍ فِي الْعَيْنِ، وَهَذَا يَعْنِي مَجْمُوعَ مَا اُعْتُبِرَ فِي حَقِيقَةِ الْغَصْبِ مِنْ إزَالَةِ الْيَدِ الْعَادِيَةِ مَعَ إزَالَةِ يَدِ الْمَالِكِ بِفِعْلٍ فِي الْعَيْنِ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْعَقَارِ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمَالِكِ فِي الْعَقَارِ لَا تَزُولُ إلَّا بِإِخْرَاجِ الْمَالِكِ عَنْهَا: أَيْ عَنْ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ، وَهُوَ أَيْ ذَلِكَ الْإِخْرَاجُ فِعْلٌ فِي الْمَالِكِ لَا فِي الْعَقَارِ فَلَمْ يُوجَدْ فِيهَا إزَالَةُ يَدِ الْمَالِكِ بِفِعْلٍ فِي الْعَيْنِ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ فِيهِ حَقِيقَةُ الْغَصْبِ فَلَمْ يَلْزَمْ الضَّمَانُ عِنْدَ هَلَاكِهِ فِي يَدِ الْآخِذِ، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يُثْبِتُ مُدَّعَى الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَالْإِمَامِ الثَّانِي، وَيَخْرُجُ الْجَوَابُ عَمَّا ذُكِرَ فِي دَلِيلِ إمَامِنَا الثَّالِثِ وَالشَّافِعِيِّ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ.

وَاسْتَشْكَلَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ هَذَا التَّعْلِيلَ حَيْثُ قَالَ: لَيْتَ شِعْرِي بِأَيِّ دَلِيلٍ ثَبَتَ كَوْنُ إزَالَةِ يَدِ الْمَالِكِ بِفِعْلٍ فِي الْعَيْنِ وَمَتَى ثَبَتَ، بَلْ مَفْهُومُ إزَالَةِ الْيَدِ تَحَقُّقُهُ فِي إخْرَاجِ الْمَالِكِ أَظْهَرُ اهـ.

أَقُولُ: قَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِدَلِيلٍ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ فَمَرَّا عَلَى أَصْلِهِمَا أَنَّ الْغَصْبَ إزَالَةُ يَدِ الْمَالِكِ عَنْ مَالِهِ بِفِعْلٍ فِي الْمَالِ وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْعَقَارِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ هَذَا شَرْطُ تَحَقُّقِ الْغَصْبِ الِاسْتِدْلَال بِضَمَانِ الْغَصْبِ، فَإِنَّ أَخْذَ الضَّمَانِ مِنْ الْغَاصِبِ تَفْوِيتُ يَدِهِ عَنْهُ بِفِعْلٍ فِي الضَّمَانِ فَيُسْتَدْعَى وُجُودَ مِثْلِهِ مِنْهُ فِي الْمَغْصُوبِ لِيَكُونَ اعْتِدَاءً بِالْمِثْلِ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ فَتَأَمَّلْ. ثُمَّ أَوْرَدَ ذَلِكَ الْبَعْضَ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي تَعْلِيلِ قَوْلِهِمَا وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>