وَعِنْدَهُ لَا يَتَصَدَّقُ بِالْغَلَّةِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا أَجَّرَ الْمُسْتَعِيرُ الْمُسْتَعَارَ. لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ حَصَلَ فِي ضَمَانِهِ وَمِلْكِهِ. أَمَّا الضَّمَانُ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا الْمِلْكُ؛ لِأَنَّ الْمَضْمُونَاتِ تُمْلَكُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ مُسْتَنِدًا عِنْدَنَا. وَلَهُمَا أَنَّهُ حَصَلَ بِسَبَبٍ خَبِيثٍ وَهُوَ التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ، وَمَا هَذَا حَالُهُ فَسَبِيلُهُ التَّصَدُّقُ، إذْ الْفَرْعُ يَحْصُلُ عَلَى وَصْفِ الْأَصْلِ وَالْمِلْكُ الْمُسْتَنِدُ نَاقِصٌ فَلَا يَنْعَدِمُ بِهِ الْخَبَثُ.
(فَلَوْ هَلَكَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ حَتَّى ضَمِنَهُ لَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِالْغَلَّةِ فِي أَدَاءِ الضَّمَانِ)؛ لِأَنَّ الْخَبَثَ لِأَجَلِ الْمَالِكِ، وَلِهَذَا لَوْ أَدَّى إلَيْهِ يُبَاحُ لَهُ التَّنَاوُلُ فَيَزُولُ الْخَبَثُ بِالْأَدَاءِ إلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ فَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ثُمَّ اُسْتُحِقَّ وَغَرِمَهُ
وَفِي سَائِرِ الْمُعْتَبَرَاتِ أَيْضًا بِأَنَّ الْوَزْنِيَّ الَّذِي فِي تَبْعِيضِهِ مَضَرَّةٌ كَالْمَصُوغِ مِنْ الْقُمْقُمِ وَالطَّسْتِ لَيْسَ بِمِثْلِيٍّ بَلْ هُوَ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ إنَاءَ فِضَّةٍ مِنْ ذَلِكَ الْقَبِيلِ فَكَيْفَ يَتِمُّ تَمْثِيلُ الرِّبَوِيَّاتِ هَاهُنَا بِإِنَاءِ فِضَّةٍ انْهَشَمَ فِي يَدِهِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ كَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَضَمَّنَهُ مِثْلَهُ، وَتَضْمِينُ الْمِثْلِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي الْمِثْلِيَّاتِ دُونَ ذَوَاتِ الْقِيَمِ الَّتِي مِنْهَا إنَاءُ فِضَّةٍ عَلَى مُقْتَضَى مَا صَرَّحُوا بِهِ كَمَا مَرَّ آنِفًا، فَلَعَلَّ الْحَقَّ فِي حُكْمِ غَصْبِ إنَاءِ فِضَّةٍ إذَا نَقَصَ فِي يَدِهِ مَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ عَنْ مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ مِنْ أَنَّ صَاحِبَهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِعَيْنِهِ وَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ مِنْ الذَّهَبِ، وَعِبَارَةُ الْكَرْخِيِّ هَكَذَا: وَإِنْ كَانَ الْإِنَاءُ فِضَّةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِعَيْنِهِ وَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرَ ذَلِكَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ مِنْ الذَّهَبِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْإِنَاءُ مِنْ ذَهَبٍ فَهُوَ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِعَيْنِهِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ قِيمَتَهُ مِنْ الْفِضَّةِ انْتَهَتْ.
وَنَقَلَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ مِثْلَ ذَلِكَ عَنْ الْمَبْسُوطِ بِطَرِيقِ التَّفْصِيلِ، غَيْرَ أَنَّ الْوَاقِعَ فِيهِ قَلْبُ فِضَّةٍ بَدَلَ إنَاءِ فِضَّةٍ حَيْثُ قَالَ. وَفِي الْمَبْسُوطِ: وَإِنْ اسْتَهْلَكَ قَلْبَ فِضَّةٍ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ مِنْ الذَّهَبِ مَصُوغًا عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ مِنْ جِنْسِهِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ لِلْجُودَةِ وَالرَّدَاءَةِ وَالصَّنْعَةِ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ قِيمَةٌ، وَعِنْدَنَا لَا قِيمَةَ لَهَا عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِجِنْسِهَا، فَلَوْ أَوْجَبْنَا مِثْلَ قِيمَتِهَا مِنْ جِنْسِهَا أَدَّى إلَى الرِّبَا، أَوْ لَوْ أَوْجَبْنَا مِثْلَ وَزْنِهَا كَانَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ عَنْ الْجُودَةِ وَالصَّنْعَةِ، فَلِمُرَاعَاةِ حَقِّهِ وَالتَّحَرُّزِ عَنْ الرِّبَا قُلْنَا يَضْمَنُ الْقِيمَةَ مِنْ الذَّهَبِ مَصُوغًا اهـ
(قَوْلُهُ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ حَصَلَ فِي ضَمَانِهِ وَمِلْكِهِ. أَمَّا الضَّمَانُ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا الْمِلْكُ؛ لِأَنَّ الْمَضْمُونَاتِ تُمْلَكُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ مُسْتَنِدًا عِنْدَنَا) أَقُولُ: فِيهِ نَوْعُ تَأَمُّلٍ؛ لِأَنَّ الَّذِي حَصَلَ فِي ضَمَانِهِ وَمِلْكِهِ إنَّمَا هُوَ الْبَعْضُ الْفَائِتُ مِنْ الْمَغْصُوبِ دُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute