للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ غَيْرَ مَأْكُولِ اللَّحْمِ فَقَطَعَ الْغَاصِبُ طَرَفَهَا لِلْمَالِكِ أَنْ يُضَمِّنَهُ جَمِيعَ قِيمَتِهَا لِوُجُودِ الِاسْتِهْلَاكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، بِخِلَافِ قَطْعِ طَرَفِ الْعَبْدِ الْمَمْلُوكِ حَيْثُ يَأْخُذُهُ مَعَ أَرْشِ الْمَقْطُوعِ؛ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ يَبْقَى مُنْتَفَعًا بِهِ بَعْدَ قَطْعِ الطَّرَفِ. .

قَالَ (وَمَنْ خَرَقَ ثَوْبَ غَيْرِهِ خَرْقًا يَسِيرًا ضَمِنَ نُقْصَانَهُ وَالثَّوْبُ لِمَالِكِهِ)؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ قَائِمٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَإِنَّمَا دَخَلَهُ عَيْبٌ فَيَضْمَنُهُ (وَإِنْ خَرَقَ خَرْقًا كَبِيرًا يُبْطِلَ عَامَّةَ مَنَافِعِهِ فَلِمَالِكِهِ أَنْ يُضَمِّنَهُ جَمِيعَ قِيمَتِهِ)؛ لِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَكَأَنَّهُ أَحْرَقَهُ. قَالَ : مَعْنَاهُ يَتْرُكُ الثَّوْبَ عَلَيْهِ: وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الثَّوْبَ وَضَمَّنَهُ النُّقْصَانَ؛ لِأَنَّهُ تَعْيِيبٌ مِنْ وَجْهٍ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعَيْنَ بَاقٍ، وَكَذَا بَعْضُ الْمَنَافِعِ قَائِمٌ، ثُمَّ إشَارَةُ الْكِتَابِ إلَى

إذَا أَخَذَ ثَوْبَ غَيْرِهِ فَصَبَغَهُ أَحْمَرَ، بَلْ ضَمِنَهُ لِلْمَالِكِ إذَا اخْتَارَ أَخْذَ الثَّوْبِ كَمَا سَيَأْتِي، فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ مُتَبَرِّعًا لِمَا زَادَهُ الذَّبْحُ فِيمَا إذَا ذَبَحَ جَزُورَ غَيْرِهِ، بَلْ اسْتَحَقَّ أَجْرَ الْمِثْلِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ حَقَّقَ مَقْصُودَ الْمَالِكِ، وَهَذَا الْقَدْرُ مِنْ الْقِيَاسِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَنَاطًا لِلِاجْتِهَادِ فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَنْشَأً لِلتَّوَهُّمِ، فَلَا بُدَّ مِنْ دَفْعِ ذَلِكَ التَّوَهُّمِ؟ فَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى دَفْعِهِ بِقَوْلِهِ وَكَذَا الْجَزُورُ وَهَذَا هُوَ مُرَادُ الشُّرَّاحِ هَاهُنَا وَلَا غُبَارَ عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ غَيْرَ مَأْكُولِ اللَّحْمِ فَقَطَعَ الْغَاصِبُ طَرَفهَا لِلْمَالِكِ أَنْ يُضَمِّنَهُ جَمِيعَ قِيمَتِهَا لِوُجُودِ الِاسْتِهْلَاكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: قِيلَ لَيْسَ لِتَقْيِيدِهِ بِغَيْرِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ فَائِدَةٌ، فَإِنَّ حُكْمَ مَأْكُولِهِ أَيْضًا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَطَفَ قَوْلَهُ وَكَذَا إذَا قَطَعَ يَدَهُمَا عَلَى قَوْلِهِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهَا وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ نُقْصَانَهَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا فِي الْحُكْمِ سَوَاءٌ. وَمِنْ الشَّارِحِينَ مَنْ قَالَ: هَذَا إنَّمَا هُوَ عَلَى اخْتِيَارِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ، وَالظَّاهِرُ وُجُوبُ تَضْمِينِ الْقِيمَةِ بِلَا خِيَارٍ فِيهِمَا: يَعْنِي فِي مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَغَيْرِ مَأْكُولِهِ إذَا قَطَعَ طَرَفَهُ فَكَانَ فَائِدَةُ ذِكْرِهِ رَدُّ ذَلِكَ الظَّاهِرِ، وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَفَى أَنْ يَقُولَ: وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ غَيْرَ مَأْكُولِ اللَّحْمِ. وَالثَّانِي أَنَّ التَّعْلِيلَ يَدُلُّ عَلَى مُغَايَرَةِ الْحُكْمِ بَيْنَ قَطْعِ طَرَفِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَغَيْرِ مَأْكُولِهِ حَيْثُ قَالَ فِي الْأَوَّلِ: إنَّهُ إتْلَافٌ مِنْ وَجْهٍ، وَفِي الثَّانِي: لِوُجُودِ الِاسْتِهْلَاكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْعِنَايَةِ اهـ.

أَقُولُ: الْقَائِلُ بِعَدَمِ فَائِدَةِ التَّقْيِيدِ بِغَيْرِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ إنَّمَا هُوَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَصَاحِبُ مِعْرَاجِ الدَّارِيَّةِ، وَأَمَّا الْمُرَادُ بِمَنْ قَالَ فِي قَوْلِهِ وَمِنْ الشَّارِحِينَ مَنْ قَالَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ هُوَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ إذْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الشَّارِحِينَ بِمَا يُشْبِهُ الْقَوْلَ الْمَذْكُورَ سِوَى صَاحِبِ الْغَايَةِ، إلَّا أَنَّ مَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ لَيْسَ عَيْنَ عِبَارَةِ صَاحِبِ الْغَايَةِ أَيْضًا، فَإِنَّ عَيْنَ عِبَارَتِهِ هَكَذَا: هَذَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَغَيْرِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ فِي قَطْعِ الطَّرَفِ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالظَّاهِرُ وُجُوبُ تَضْمِينِ جَمِيعِ الْقِيمَةِ فِيهَا بِلَا خِيَارٍ، وَقَدْ مَرَّ مِنْ قَبْلُ هَذَا اهـ.

وَلَا يَخْفَى عَلَى ذِي مُسْكَةٍ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ عَلَى هَاتِيك الْعِبَارَةِ شَيْءٌ مِنْ وَجْهَيْ نَظَرِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ؛ لِأَنَّ مَدَارَ وُرُودِهِمَا عَلَى حَمْلِ مُرَادِ الْمُصَنِّفِ عَلَى تَسْوِيَةِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَغَيْرِ مَأْكُولِهِ فِي الْحُكْمِ، وَعِبَارَةُ صَاحِبِ الْغَايَةِ تُنَادِي عَلَى حَمْلِ مُرَادِهِ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا حَيْثُ قَالَ: هَذَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَغَيْرِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ فِي قَطْعِ الطَّرَفِ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ تَبَصَّرْ. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ نَفْيَ خِيَارِ الْمَالِكِ بَيْنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>