اقْلَعْ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ وَرُدَّهَا) لِقَوْلِهِ ﵊ «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» وَلِأَنَّ مِلْكَ صَاحِبِ الْأَرْضِ بَاقٍ، فَإِنَّ الْأَرْضَ لَمْ تَصِرْ مُسْتَهْلَكَةً وَالْغَصْبُ لَا يَتَحَقَّقُ فِيهَا، وَلَا بُدَّ لِلْمِلْكِ مِنْ سَبَبٍ فَيُؤْمَرُ الشَّاغِلُ بِتَفْرِيغِهَا، كَمَا إذَا شَغَلَ ظَرْفَ غَيْرِهِ بِطَعَامِهِ (فَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ تَنْقُصُ بِقَلْعِ ذَلِكَ فَلِلْمَالِكِ أَنْ يُضَمِّنَ لَهُ قِيمَةَ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ مَقْلُوعًا وَيَكُونَانِ لَهُ)؛ لِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا لَهُمَا وَدُفِعَ الضَّرَرُ عَنْهُمَا. وَقَوْلُهُ قِيمَتُهُ مَقْلُوعًا مَعْنَاهُ قِيمَةُ بِنَاءٍ أَوْ شَجَرٍ يُؤْمَرُ بِقَلْعِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِيهِ، إذْ لَا قَرَارَ لَهُ فِيهِ فَتَقُومُ الْأَرْضُ بِدُونِ الشَّجَرِ وَالْبِنَاءِ وَتَقُومُ وَبِهَا شَجَرٌ أَوْ بِنَاءٌ، لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَنْ يَأْمُرَهُ بِقَلْعِهِ فَيَضْمَنُ فَضْلَ مَا بَيْنَهُمَا. .
قَالَ (وَمَنْ غَصَبَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ أَحْمَرَ أَوْ سَوِيقًا فَلَتَّهُ بِسَمْنٍ فَصَاحِبُهُ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبٍ أَبْيَضَ وَمِثْلَ السَّوِيقِ وَسَلَّمَهُ لِلْغَاصِبِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُمَا وَغَرِمَ مَا زَادَ الصَّبْغُ وَالسَّمْنُ فِيهِمَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الثَّوْبِ: لِصَاحِبِهِ أَنْ يَمْسِكَهُ وَيَأْمُرَ الْغَاصِبَ بِقَلْعِ الصَّبْغِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ اعْتِبَارًا بِفَصْلِ السَّاحَةِ
الْمُنْتَقَى مِنْ رِوَايَةِ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ ﵀
(قَوْلُهُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ») صَحَّحَهُ فِي الْمُغْرِبِ بِتَنْوِينِ عَرَقٍ حَيْثُ قَالَ: أَيْ لِذِي عَرَقٍ ظَالِمٍ، وَهُوَ الَّذِي يَغْرِسُ فِي الْأَرْضِ غَرْسًا عَلَى وَجْهِ الِاغْتِصَابِ لِيَسْتَوْجِبَهَا وُصِفَ الْعَرَقُ بِالظُّلْمِ الَّذِي هُوَ صِفَةُ صَاحِبِهِ مَجَازًا، وَقَدْ رُوِيَ بِالْإِضَافَةِ لَيْسَ لِعِرْقِ غَاصِبٍ ثُبُوتٌ بَلْ يُؤْمَرُ بِقَلْعِهِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا.
أَقُولُ: فِيمَا ذَكَرَ فِي الْمُغْرِبِ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّهُ قَدَّرَ الْمُضَافَ أَوَّلًا حَيْثُ قَالَ: أَيْ لِذِي عَرَقٍ ظَالِمٍ، وَجَعَلَ وَصْفَ الْعَرَقِ بِالظُّلْمِ تَجَوُّزًا ثَانِيًا، وَبَيْنَهُمَا تَنَافُرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَدَّرَ الْمُضَافَ يَصِيرُ ظَالِمُ صِفَةً لَهُ لَا لِعَرَقٍ كَمَا قَالُوا فِي قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ» أَنَّ قَوْلَهُ مَحْرَمٌ صِفَةُ ذَا وَجَرَّهُ لِلْجِوَارِ فَيَتِمُّ مَعْنَى الْكَلَامِ عَلَى حَقِيقَتِهِ فَلَا يَكُونُ لِلْمَصِيرِ إلَى التَّجَوُّزِ وَجْهٌ، وَعَنْ هَذَا ذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي الْفَائِقِ مَا ذَكَرَهُ الْمُطَرِّزِيُّ فِي الْمُغْرِبِ خَلَا الْقَوْلِ بِوَصْفِ الْعَرَقِ بِالظُّلْمِ عَلَى سَبِيلِ التَّجَوُّزِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُ صَاحِبِ الْمُغْرِبِ بِقَوْلِهِ أَيْ لِذِي عَرَقٍ ظَالِمٍ مُجَرَّدُ تَصْوِيرِ الْمَعْنَى، لَا أَنَّ هُنَاكَ مُضَافًا مَحْذُوفًا مُقَدَّرًا. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَلَا مَجَالَ لِكَوْنِ ظَالِمٍ نَعْتًا لِذِي؛ لِأَنَّهُ مَعْرِفَةٌ اهـ. أَقُولُ: هَذَا الْكَلَامُ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ أَمْرٌ عَجِيبٌ، فَإِنَّ ذَا الَّذِي بِمَعْنَى صَاحِبِ لَا يَكُونُ إلَّا مُضَافًا، وَيَكُونُ نَكِرَةً إنْ أُضِيفَ إلَى نَكِرَةٍ، وَمَعْرِفَةً إنْ أُضِيفَ إلَى مَعْرِفَةٍ. وَعَنْ هَذَا قَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ: وَأَمَّا ذُو الَّذِي بِمَعْنَى صَاحِبِ فَلَا يَكُونُ إلَّا مُضَافًا، فَإِنْ وَصَفْت بِهِ نَكِرَةً أَضَفْتَهُ إلَى نَكِرَةٍ، وَإِنْ وَصَفْت بِهِ مَعْرِفَةً أَضَفْتَهُ إلَى الْأَلِفِ وَاللَّامِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُضِيفَهُ إلَى مُضْمَرٍ وَلَا إلَى زَيْدٍ وَمَا أَشْبَهَهُ اهـ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْمُضَافَ إلَيْهِ الَّذِي فِيمَا نَحْنُ فِيهِ هُوَ عَرَقٌ نَكِرَةٌ فَيَكُونُ الْمُضَافُ أَيْضًا نَكِرَةً، فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ وَلَا مَجَالَ لِكَوْنِ ظَالِمٍ نَعْتًا لِذِي؛ لِأَنَّهُ مَعْرِفَةٌ، وَكَأَنَّ وَهْمَهُ ذَهَبَ إلَى ذِي الَّتِي هِيَ مُؤَنَّثُ ذَا مِنْ أَسْمَاءِ الْإِشَارَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَعَارِفِ. وَنِعْمَ مَا قَالُوا: لِكُلِّ جَوَادٍ كَبْوَةٌ، وَلِكُلِّ صَارِمٍ نَبْوَةٌ.
(قَوْلُهُ وَلِأَنَّ مِلْكَ صَاحِبِ الْأَرْضِ بَاقٍ فَإِنَّ الْأَرْضَ لَمْ تَصِرْ مُسْتَهْلَكَةً وَالْغَصْبُ لَا يَتَحَقَّقُ فِيهَا إلَخْ) أَقُولُ: لِمُتَوَهِّمٍ أَنْ يَتَوَهَّمَ أَنَّ قَوْلَهُ فِي التَّعْلِيلِ وَالْغَصْبِ لَا يَتَحَقَّقُ فِيهَا يُنَافِي وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ فِي الْغَصْبِ بِأَنْ قَالَ: وَمَنْ غَصَبَ أَرْضًا فَغَرَسَ فِيهَا أَوْ بَنَى. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْغَصْبِ الْمَذْكُورِ فِي وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ هُوَ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيُّ، وَبِالْغَصْبِ الْمَنْفِيِّ تَحَقُّقُهُ فِي الْأَرْضِ فِي أَثْنَاءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute