للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَوْ كَانَ قَائِمًا فَأَرَادَ الْمَالِكُ أَنْ يَتْرُكَهُ عَلَى الْغَاصِبِ فِي هَذَا الْوَجْهِ وَيُضَمِّنَهُ قِيمَتَهُ قِيلَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْجِلْدَ لَا قِيمَةَ لَهُ، بِخِلَافِ صَبْغِ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ لَهُ قِيمَةً.

وَقِيلَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَرَكَهُ عَلَيْهِ وَضَمَّنَهُ عَجَزَ الْغَاصِبُ عَنْ رَدِّهِ فَصَارَ كَالِاسْتِهْلَاكِ، وَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ.

تَحَقُّقِ الْغَصْبِ الشَّرْعِيِّ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ فِي الْهَلَاكِ وَالِاسْتِهْلَاكِ، أَوْ كَانَ مُجَرَّدُ حُصُولِ التَّقَوُّمِ لِلْمَأْخُوذِ بَعْدَ الْأَخْذِ كَافِيًا فِي تَحَقُّقِ الْغَصْبِ الشَّرْعِيِّ لَوَجَبَ الضَّمَانُ فِي صُورَةِ هَلَاكِ الْخَمْرِ الْمُتَخَلَّلَةِ بِنَفْسِهَا فِي يَدِ الْآخِذِ جَبْرًا مَعَ أَنَّهُ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ.

ثُمَّ أَقُولُ: لَمَّا ظَهَرَ بِمَا بَيَّنَّاهُ أَنَّ كَوْنَ مُرَادِ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ كَمَا إذَا هَلَكَ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحَانِ الْمَزْبُورَانِ مِمَّا يَلِيق بِقَدْرِهِ الْجَلِيلِ وَإِنْ كَانَ فِي ظَاهِرِ لَفْظِهِ مُسَاعِدَةٌ لِذَلِكَ كَانَ حَقًّا عَلَيْنَا أَنْ نَحْمِلَ كَلَامَهُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ فَنَقُولُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ كَمَا إذَا هَلَكَ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ هُوَ التَّشْبِيهُ وَالتَّنْظِيرُ فِي مُجَرَّدِ عَدَمِ وُجُوبِ الضَّمَانِ وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ مُخْتَلِفًا فِي الصُّورَتَيْنِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ الْمَذْكُورِ هُوَ الْقِيَاسُ عَلَى تِلْكَ الصُّورَةِ فِي خُصُوصِ السَّبَبِ، وَهُوَ كَوْنُ الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ الصَّنْعَةُ غَيْرَ مَضْمُونٍ فَكَذَا التَّابِعُ، لَكِنْ مِنْ حَيْثُ جَوَازُ أَنْ يَكُونَ هَذَا السَّبَبُ سَبَبًا أَيْضًا فِي صُورَةِ هَلَاكِ الْمَدْبُوغِ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ لَا مِنْ حَيْثُ وُجُوبِ أَنْ يَكُونَ هَذَا السَّبَبُ هُوَ السَّبَبُ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ كَمَا يَقْتَضِيه قَوْلُهُمَا، وَإِلَّا فَالْغَصْبُ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ فِي الْهَلَاكِ وَالِاسْتِهْلَاكِ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَجِبْ أَنْ يَكُونَ هَذَا السَّبَبُ هُوَ السَّبَبُ لِعَدَمِ الضَّمَانِ فِي صُورَةِ الْهَلَاكِ بَلْ جَازَ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِيهَا سَبَبٌ آخَرُ وَهُوَ عَدَمُ تَحَقُّقِ فِعْلٍ مَوْصُوفٍ بِالتَّعَدِّي كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ لَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ هُنَاكَ بِانْتِفَاءِ هَذَا السَّبَبِ؛ لِأَنَّ انْتِفَاءَ أَحَدِ السَّبَبَيْنِ الْمُسْتَقِلَّيْنِ لَا يُوجِبُ انْتِفَاءَ الْمُسَبِّبِ فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَصِحَّ قَوْلُهُمَا، وَإِلَّا فَالْغَصْبُ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ فِي الْهَلَاكِ وَالِاسْتِهْلَاكِ تَأَمَّلْ تَقِفْ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ قَائِمًا فَأَرَادَ الْمَالِكُ أَنْ يَتْرُكَهُ عَلَى الْغَاصِبِ فِي هَذَا الْوَجْهِ وَيُضَمِّنَهُ قِيمَتَهُ. قِيلَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْجِلْدَ لَا قِيمَةَ لَهُ، بِخِلَافِ صَبْغِ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ لَهُ قِيمَةً) قَالَ الشُّرَّاحُ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ قِيلَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ: أَيْ مُطْلَقًا بِلَا خِلَافٍ، وَيَقْتَضِي هَذَا التَّفْسِيرُ مُقَابَلَةَ قَوْلِهِ: وَقِيلَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَهُ ذَلِكَ كَمَا لَا يَخْفَى أَقُولُ: تَعْلِيلُ هَذَا الْقَوْلِ الِاتِّفَاقِيِّ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْجِلْدَ لَا قِيمَةَ لَهُ، بِخِلَافِ صَبْغِ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ لَهُ قِيمَةً مُشْكِلٌ عِنْدِي، فَإِنَّهُ لَا يَتَمَشَّى عَلَى أَصْلِ الْإِمَامَيْنِ، إذْ قَدْ مَرَّ أَنَّ أَصْلَهُمَا أَنَّ الْجِلْدَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْمَالِكِ وَهُوَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فَيَضْمَنُهُ مَدْبُوغًا بِالِاسْتِهْلَاكِ وَيُعْطِيهِ الْمَالِكُ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ، كَمَا إذَا غَصَبَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ ثُمَّ اسْتَهْلَكَهُ يَضْمَنُهُ وَيُعْطِيهِ الْمَالِكُ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ، وَالتَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ هَاهُنَا صَرِيحٌ فِي خِلَافِ ذَلِكَ كَمَا تَرَى.

لَا يُقَالُ: الْمُرَادُ هَاهُنَا أَنَّ الْجِلْدَ لَا قِيمَةَ لَهُ وَقْتَ الْغَصْبِ، بِخِلَافِ الثَّوْبِ فَإِنَّ لَهُ قِيمَةً وَقْتَئِذٍ، وَالْمُرَادُ بِمَا مَرَّ أَنَّ الْجِلْدَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ بَعْدَ الدِّبَاغِ فَصَارَ كَالثَّوْبِ بَعْدَهُ فَلَا مُنَافَاةَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْكَلَامُ فِيمَا إذَا أَرَادَ الْمَالِكُ أَنْ يَتْرُكَهُ عَلَى الْغَاصِبِ وَيُضَمِّنَهُ قِيمَتَهُ بَعْدَ أَنْ صَارَ مَالًا مُتَقَوِّمًا بِالدِّبَاغِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ فِي هَذَا الْوَجْهِ فَلَا وَجْهَ لِتَعْلِيلِ مَا قِيلَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ بِأَنَّ الْجِلْدَ لَا قِيمَةَ لَهُ وَقْتَ الْغَصْبِ، بِخِلَافِ الثَّوْبِ فَإِنَّ عَدَمَ تَقَوُّمِ جِلْدِ الْمَيْتَةِ وَقْتَ الْغَصْبِ لَا يُنَافِي عِنْدَهُمَا كَوْنَهُ مَضْمُونًا عَلَى الْغَاصِبِ بَعْدَ أَنْ صَارَ مَالًا مُتَقَوِّمًا بِالدِّبَاغِ، وَهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ عِنْدَهُمَا بِالِاسْتِهْلَاكِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِنَاءً عَلَى كَوْنِهِ مَالًا مُتَقَوِّمًا بِالدِّبَاغِ بَاقِيًا عَلَى مِلْكِ الْمَالِكِ كَمَا مَرَّ. عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ هَاهُنَا أَنَّ الْجِلْدَ لَا قِيمَةَ لَهُ وَقْتَ الْغَصْبِ لَقَالَ الْمُصَنِّفُ بِخِلَافِ الثَّوْبِ دُونَ أَنْ يَقُولَ بِخِلَافِ صَبْغِ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ الصَّبْغَ فِي الثَّوْبِ بِإِزَاءِ الدِّبَاغِ فِي الْجِلْدِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ إذَا تَرَكَهُ عَلَيْهِ وَضَمَّنَهُ عَجَزَ الْغَاصِبُ عَنْ رَدِّهِ فَصَارَ كَالِاسْتِهْلَاكِ وَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ فِي الِاسْتِهْلَاكِ لِأَمْرٍ مِنْ جِهَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>