للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَارَقَ الْهَلَاكُ بِنَفْسِهِ.

وَقَوْلُهُمَا يُعْطِي مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ مَحْمُولٌ عَلَى اخْتِلَافِ الْجِنْسِ. أَمَّا عِنْدَ اتِّحَادِهِ فَيَطْرَحُ عَنْهُ ذَلِكَ الْقَدْرَ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْبَاقِي لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي الْأَخْذِ مِنْهُ ثُمَّ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ.

وَلَهُ أَنَّ التَّقَوُّمَ حَصَلَ بِصُنْعِ الْغَاصِبِ وَصَنْعَتُهُ مُتَقَوِّمَةٌ لِاسْتِعْمَالِهِ مَالًا مُتَقَوِّمًا فِيهِ، وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ فَكَانَ حَقًّا لَهُ وَالْجِلْدُ تَبَعٌ لَهُ فِي حَقِّ التَّقَوُّمِ، ثُمَّ الْأَصْلُ وَهُوَ الصَّنْعَةُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ فَكَذَا التَّابِعُ، كَمَا إذَا هَلَكَ مِنْ غَيْرِ صَنْعَةٍ، بِخِلَافِ وُجُوبِ الرَّدِّ حَالَ قِيَامِهِ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ الْمِلْكَ، وَالْجِلْدُ غَيْرُ تَابِعٍ لِلصَّنْعَةِ فِي حَقِّ الْمِلْكِ لِثُبُوتِهِ قَبْلَهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَقَوِّمًا، بِخِلَافِ الذَّكِيِّ وَالثَّوْبِ؛ لِأَنَّ التَّقَوُّمَ فِيهِمَا كَانَ ثَابِتًا قَبْلَ الدَّبْغِ وَالصَّبْغِ فَلَمْ يَكُنْ تَابِعًا لِلصَّنْعَةِ،

سَبَبًا لِلضَّمَانِ لَا يُنَافِي كَوْنَ الِاسْتِهْلَاكِ أَيْضًا سَبَبًا لَهُ، وَمَقْصُودُ الْمُصَنِّفِ قِيَاسُ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ عَلَى تِلْكَ الصُّورَةِ فِي كَوْنِ التَّعَدِّي بِالِاسْتِهْلَاكِ سَبَبًا لِضَمَانِ الْمُتَعَدِّي مَا اسْتَهْلَكَهُ وَإِعْطَاءِ الْمَالِكِ مَا زَادَهُ الصَّنْعَةُ، وَهَذَا الْمَعْنَى مُتَّحِدٌ بَيْنَ الْمَقِيسِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ فِي جَانِبِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ سَبَبًا آخَرَ لِلضَّمَانِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي صِحَّةَ الْقِيَاسِ عَلَيْهِ فِي السَّبَبِ الْمُشْتَرَكِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ النِّهَايَةِ حَيْثُ قَالَ فِي حِلِّ هَذَا الْمَحَلِّ: إنَّ الِاسْتِهْلَاكَ جِنَايَةٌ مُوجِبَةٌ لِلضَّمَانِ فِي مَحَلٍّ هُوَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ، وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ لَمَّا بَقِيَ الْجِلْدُ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ بَعْدَمَا صَارَ مَالًا مُتَقَوِّمًا كَمَا فِي الثَّوْبِ، إلَّا أَنَّ هُنَاكَ السَّبَبُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْغَصْبُ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ أَيْضًا، فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ بِأَيِّ السَّبَبَيْنِ شَاءَ، هَاهُنَا السَّبَبُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْغَصْبُ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلضَّمَانِ فَتَعَيَّنَ التَّضْمِينُ بِالسَّبَبِ الثَّانِي فَكَانَ هُوَ فِي السَّبَبِ كَغَيْرِهِ وَلَوْ اسْتَهْلَكَهُ غَيْرُهُ كَانَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُسْتَهْلِكَ وَيُعْطِي الْغَاصِبَ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ.

(قَوْلُهُ ثُمَّ الْأَصْلُ وَهُوَ الصَّنْعَةُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ فَكَذَا التَّابِعُ كَمَا إذَا هَلَكَ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ كَمَا إذَا هَلَكَ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ: فَإِنَّ عَدَمَ الضَّمَانِ هُنَاكَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْأَصْلَ وَهُوَ الصَّنْعَةُ غَيْرُ مَضْمُونٍ فَكَذَلِكَ الْجِلْدُ، وَإِلَّا فَالْغَصْبُ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ فِي الْهَلَاكِ وَالِاسْتِهْلَاكِ اهـ كَلَامُهُ، وَاقْتَفَى أَثَرَهُ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ. فِيهِ نَظَرٌ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ عَدَمَ الضَّمَانِ فِي صُورَةِ الْهَلَاكِ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ لَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْأَصْلَ وَهُوَ الصَّنْعَةَ غَيْرُ مَضْمُونٍ، فَكَذَلِكَ الْجِلْدُ كَمَا يَقْتَضِيهِ قَوْلُ الشَّارِحِينَ الْمَزْبُورِينَ، وَإِلَّا فَالْغَصْبُ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ فِي الْهَلَاكِ وَالِاسْتِهْلَاكِ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ عَدَمَ الضَّمَانِ هُنَاكَ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ تَحَقُّقِ فِعْلٍ مَوْصُوفٍ بِالتَّعَدِّي هُنَاكَ كَتَحَقُّقِهِ فِي صُورَةِ الِاسْتِهْلَاكِ عَلَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَصَاحِبُ الْعِنَايَةِ أَيْضًا فِي تَعْلِيلِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا مَرَّ وَكَوْنُ الْغَصْبِ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ فِي كُلٍّ مِنْ صُورَتَيْ الْهَلَاكِ وَالِاسْتِهْلَاكِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ تَحْقِيقِ الْغَصْبِ الشَّرْعِيِّ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَمْ يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْمَأْخُوذِ مَالًا مُتَقَوِّمًا مُعْتَبَرٌ فِي حَقِيقَةِ الْغَصْبِ الشَّرْعِيِّ كَمَا تَقَرَّرَ فِي صَدْرِ الْكِتَابِ، وَجِلْدُ الْمَيْتَةِ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ قَبْلَ الدِّبَاغِ قَطْعًا، وَإِنَّمَا يَصِيرُ مُتَقَوِّمًا بِالدِّبَاغِ، وَكَلَامُنَا فِيمَا إذَا غَصَبَ جِلْدَ الْمَيْتَةِ فَدَبَغَهُ فَحِينَ الْأَخْذِ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْغَصْبُ الشَّرْعِيُّ الْمُوجِبُ لِلضَّمَانِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ بِلَا رَيْبٍ، وَيُؤَيِّدُ مَا قُلْنَا إنَّ الْخَمْرَ الْمُتَخَلِّلَةَ بِنَفْسِهَا أَيْضًا غَيْرُ مَضْمُونَةٍ فِي صُورَةِ الْهَلَاكِ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا مَرَّ، وَلَيْسَ فِيهَا صَنْعَةٌ مُتَقَوِّمَةٌ يَتْبَعُهَا تَقَوُّمُهَا، فَلَوْ كَانَ مُجَرَّدُ الْغَصْبِ وَهُوَ الْأَخْذُ جَبْرًا بِدُونِ

<<  <  ج: ص:  >  >>