للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ وَأَفَادَ التَّرْتِيبَ، أَمَّا الثُّبُوتُ فَلِقَوْلِهِ «الشُّفْعَةُ لِشَرِيكٍ لَمْ يُقَاسِمْ» وَلِقَوْلِهِ

كِلَيْهِمَا سَبَبٌ عَلَى التَّعَاقُبِ وَأَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ إذَا وَجَبَبْت بِالْبَيْعِ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُوبُهَا ثَانِيًا بِالطَّلَبِ. وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ الشَّرِكَةَ مَعَ الْبَيْعِ عِلَّةٌ لِوُجُوبِ الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِهِمَا.

قَالَ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ بِأَنَّ الشِّرَاءَ شَرْطٌ وَالشَّرِكَةَ عِلَّةٌ وَسَبَبٌ، فَإِنَّ الشَّفِيعَ لَوْ سَلَّمَ الشُّفْعَةَ قَبْلَ الْبَيْعِ لَا يَصِحُّ، وَلَوْ سَلَّمَ بَعْدَ الْبَيْعِ يَصِحُّ، وَلَوْ كَانَ سَبَبُ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ الشَّرِكَةَ وَحْدَهَا لَصَحَّ التَّسْلِيمُ قَبْلَ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِ الْوُجُوبِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ سَائِرِ الْحُقُوقِ بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِ الْوُجُوبِ جَائِزٌ، وَلَمَّا لَمْ يَصِحَّ تَسْلِيمُ الشُّفْعَةِ قَبْلَ الْبَيْعِ عَرَفْنَا أَنَّ الشَّرِكَةَ وَحْدَهَا لَيْسَتْ بِعِلَّةٍ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الشُّفْعَةِ بِالشَّرِكَةِ عِنْدَ الْبَيْعِ أَوْ بِالشَّرِكَةِ وَالْبَيْعِ وَتَأَكُّدَهَا بِالطَّلَبِ وَثُبُوتِ الْمِلْكِ فِي الْبُقْعَةِ الْمَشْفُوعَةِ بِالْقَضَاءِ أَوْ بِالرِّضَا، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ وَالذَّخِيرَةِ وَالتُّحْفَةِ وَغَيْرِهَا. أَقُولُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْخَصَّافِ بِقَوْلِهِ الشُّفْعَةَ تَجِبُ بِالْبَيْعِ ثُمَّ تَجِبُ بِالطَّلَبِ أَنَّهَا تَجِبُ بِالْبَيْعِ ثُمَّ يَتَأَكَّدُ وُجُوبُهَا وَيَسْتَقِرُّ بِالطَّلَبِ فَيَئُولُ إلَى مَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ مِنْ الْقَوْلِ الصَّحِيحِ الْمُخْتَارِ. وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ ثُمَّ تَجِبُ بِالطَّلَبِ نَظِيرُ مَا ذَكَرَهُ الْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْله تَعَالَى ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ مِنْ أَنَّ مَعْنَاهُ ثَبِّتْنَا عَلَى هَدْيِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ بِكَوْنِ نَفْسِ الْهَدْيِ مُتَحَقِّقَةً قَبْلَ الطَّلَبِ، وَلَعَلَّ نَظَائِرَ هَذَا فِي كَلَامِ الْبُلَغَاءِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى. وَالْعَجَبُ أَنَّ عَامَّةَ ثِقَاتِ الْمَشَايِخِ حَمَلُوا كَلَامَ ذَلِكَ الْهُمَامِ الَّذِي لَهُ يَدٌ طُولَى فِي الْفِقْهِ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ بَيِّنُ الْبُطْلَانِ وَلَمْ يَحْمِلْهُ أَحَدٌ عَلَى الْمَعْنَى الصَّحِيحِ مَعَ كَوْنِهِ عَلَى طَرَفِ الثُّمَامِ

(قَوْلُهُ أَمَّا الثُّبُوتُ فَلِقَوْلِهِ «الشُّفْعَةُ لِشَرِيكٍ لَمْ يُقَاسِمْ») أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ دَلَّ عَلَى بَعْضِ الْمُدَّعَى وَهُوَ ثُبُوتُ حَقِّ الشُّفْعَةِ لِلشَّرِيكِ إلَّا أَنَّهُ يَنْفِي بَعْضَهُ الْآخَرَ وَهُوَ ثُبُوتُهُ لِغَيْرِ الشَّرِيكِ أَيْضًا كَالْجَارِ الْمُلَاصِقِ؛ لِأَنَّ اللَّامَ فِي الشُّفْعَةِ الْمَذْكُورَةِ لِلْجِنْسِ لِعَدَمِ الْعَهْدِ، وَتَعْرِيفُ الْمُسْنَدِ إلَيْهِ فَاللَّامُ الْجِنْسِ يُفِيدُ قَصْرَ الْمُسْنَدِ إلَيْهِ عَلَى الْمُسْنَدِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأَدَبِ، وَمَثَّلَ بِنَحْوِ قَوْلِهِ «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» سِيَّمَا وَقَدْ أَدْخَلَ عَلَى الْمُسْنَدِ هَاهُنَا لَامَ الِاخْتِصَاصِ كَمَا تَرَى فَكَانَ عَرِيقًا فِي إفَادَة الْقَصْرِ كَمَا فِي ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ عَلَى مَا قَالُوا، فَانْتَفَى اقْتِضَاءُ حَقِّ الشُّفْعَةِ عَنْ غَيْرِ الشَّرِيكِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فَلْيُتَأَمَّلْ فِي الْجَوَابِ.

قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ الْحَدِيثِ الْمَزْبُورِ: أَيْ تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ لِلشَّرِيكِ إذَا كَانَتْ الدَّارُ مُشْتَرَكَةً فَبَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، أَمَّا إذَا بَاعَ بَعْدَهَا فَلَمْ يَبْقَ لِلشَّرِيكِ الْآخَرِ حَقٌّ لَا فِي الدَّاخِلِ وَلَا فِي نَفْسِ الدَّارِ فَحِينَئِذٍ لَا شُفْعَةَ اهـ. وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى قَوْلِهِ أَمَّا إذَا بَاعَ بَعْدَهَا إلَخْ ثُمَّ وَجَّهَهُ حَيْثُ قَالَ: هَذَا قَوْلٌ بِمَفْهُومِ الصِّفَةِ، وَنَحْنُ لَا نَقُولُ بِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ التَّخْصِيصُ بِدَلَالَةِ اللَّامِ الِاخْتِصَاصِيَّةِ اهـ.

أَقُولُ: كُلٌّ مِنْ اعْتِرَاضِهِ وَتَوْجِيهِهِ سَاقِطٌ. أَمَّا الْأَوَّلُ؛ فَلِأَنَّ قَوْلَ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ: وَأَمَّا إذَا بَاعَ إلَخْ لَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي تَفْسِيرِ مَعْنَى الْحَدِيثِ الْمَزْبُورِ حَتَّى يَتَّجِهَ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ هَذَا قَوْلٌ بِمَفْهُومِ الصِّفَةِ، وَنَحْنُ لَا نَقُولُ بِهِ، بَلْ هُوَ كَلَامُ نَفْسِهِ ذَكَرَهُ بِطَرِيقِ الِاسْتِطْرَادِ بَيَانًا لِلْوَاقِعِ، وَأَمَّا الثَّانِي؛ فَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ اللَّامُ الِاخْتِصَاصِيَّةُ مَدَارًا لِلتَّخْصِيصِ بِمَعْنَى الْقَصْرِ لَزِمَ أَنْ يَدُلَّ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ عَلَى عَدَمِ ثُبُوتِ حَقِّ الشُّفْعَةِ لِلْجَارِ الْمُلَاصِقِ أَيْضًا لِكَوْنِهِ غَيْرَ شَرِيكٍ لَمْ يُقَاسِمْ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً عَلَيْنَا لَا لَنَا (قَوْلُهُ وَلِقَوْلِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>