«جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِالدَّارِ وَالْأَرْضِ، يَنْتَظِرُ لَهُ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا إذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا» وَلِقَوْلِهِ ﵊ «الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا سَقَبُهُ؟ قَالَ شُفْعَتُهُ» وَيُرْوَى «الْجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَتِهِ» وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا شُفْعَةَ بِالْجِوَارِ لِقَوْلِهِ ﵊ «الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمُ، فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِفَتْ الطَّرِيقُ فَلَا شُفْعَةَ»
«جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِالدَّارِ وَالْأَرْضِ يَنْتَظِرُ لَهُ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا إذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا») أَيْ جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِالدَّارِ وَجَارُ الْأَرْضِ أَحَقُّ بِالْأَرْضِ.
وَقَوْلُهُ " يَنْتَظِرُ لَهُ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا ": أَيْ الشَّفِيعُ يَكُونُ عَلَى شُفْعَتِهِ إنْ غَابَ، إذَا لَا تَأْثِيرَ لِلْغَيْبَةِ فِي إبْطَالِ حَقٍّ تَقَرَّرَ سَبَبُهُ، كَذَا قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ.
وَيَقْرُبُ مِنْهُ قَوْلُ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ: يَعْنِي يَكُونُ عَلَى شُفْعَتِهِ مُدَّةَ غَيْبَتِهِ، إذْ لَا تَأْثِيرَ لِلْغَيْبَةِ فِي إبْطَالِ حَقٍّ تَقَرَّرَ سَبَبُهُ اهـ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَفِي رِوَايَةِ الْأَسْرَارِ يَنْتَظِرُ بِهَا إذَا كَانَ غَائِبًا، ثُمَّ قَالَ فِي الْأَسْرَارِ: فَإِنْ قِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ أَحَقُّ بِهَا عَرْضًا عَلَيْهِ لِلْبَيْعِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ فَسَّرَ الْحَقَّ بِالِانْتِظَارِ إذَا كَانَ غَائِبًا.
قُلْنَا: إنَّ النَّبِيَّ ﷺ جَعَلَهُ أَحَقَّ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَيَكُونُ أَحَقَّ بِهَا قَبْلَ الْبَيْعِ وَبَعْدَهُ. وَقَوْلُهُ (يَنْتَظِرُ) تَفْسِيرٌ لِبَعْضِ مَا شَمَلَهُ كَلِمَةُ أَحَقَّ؛ وَلِأَنَّ مَا رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ «أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ أَرْضٍ بِيعَتْ لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهَا شِرْكٌ وَلَا نَصِيبٌ فَقَالَ: الْجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَتِهِ» فَهَذَا يُبْطِلُ ذَلِكَ التَّأْوِيلَ اهـ وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى قَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا مُقْتَضَى كَلِمَةِ إنْ الْوَصْلِيَّةِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ غَائِبًا يَنْتَظِرُ لَهُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى، فَفِي كَلَامِهِ بَحْثٌ تَأَمَّلْهُ اهـ.
أَقُولُ: الْمَذْكُورُ فِي كَثِيرٍ مِنْ نُسَخِ الْهِدَايَةِ إنْ كَانَ غَائِبًا بِدُونِ الْوَاوِ، وَاَلَّذِي ذَكَرَ فِي حَاشِيَةِ ذَلِكَ الْقَائِلِ أَيْضًا تِلْكَ النُّسْخَةِ فَحِينَئِذٍ لَا يَظْهَرُ كَوْنُ كَلِمَةِ إنْ وَصْلِيَّةً، بَلْ الْمُتَبَادَرُ أَنْ تَكُونَ شَرْطِيَّةً. وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ الْأَسْرَارِ حَيْثُ وَقَعَ فِيهَا إذَا كَانَ غَائِبًا، فَعَلَى ذَلِكَ لَا يُتَوَهَّمُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى إذَا لَمْ يَكُنْ غَائِبًا يَنْتَظِرُ لَهُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى.
وَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ بِالْوَاوِ وَهِيَ الْأَكْثَرُ وُقُوعًا فِي الشُّرُوحِ فَلَا مَحْذُورَ فِيهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ يَنْتَظِرُ لَهُ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا عَلَى مَا بَيَّنُوا أَنَّهُ يَكُونُ عَلَى شُفْعَتِهِ وَإِنْ غَابَ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَى شُفْعَتِهِ حَالَ غَيْبَتِهِ فَلَأَنْ يَكُونَ عَلَى شُفْعَتِهِ حَالَ حُضُورِهِ أَوْلَى بِالطَّرِيقِ، وَإِنْ تَرَكَ الِانْتِظَارَ عَلَى مَعْنَاهُ الْأَصْلِيِّ وَهُوَ التَّوَقُّفُ فِي مُهْلَةٍ وَكَانَ الْمَعْنَى يَنْتَظِرُ لَهُ إلَى أَنْ يَجِيءَ وَيَفْرُغَ مِنْ شُفْعَتِهِ تَحَقَّقَتْ الْأَوْلَوِيَّةُ أَيْضًا فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ غَائِبًا؛ لِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ الِانْتِظَارُ لَهُ إلَى أَنْ يَجِيءَ وَيَفْرُغَ مِنْ شُفْعَتِهِ مَعَ بُعْدِ زَمَانِ الِانْتِظَارِ فَلَأَنْ يَجِبَ الِانْتِظَارُ لَهُ إلَى فَرَاغِهِ مِنْ شُفْعَتِهِ عِنْدَ حُضُورِهِ أَوْلَى لِحُصُولِ الِانْفِصَالِ بَيْنَهُمَا فِي زَمَانٍ قَلِيلٍ تَأَمَّلْ تَفْهَمْ.
(قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا شُفْعَةَ بِالْجِوَارِ لِقَوْلِهِ ﵊ «الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِنْ وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ») قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ اللَّامَ لِلْجِنْسِ كَقَوْلِ ﵊ ' «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» فَتَنْحَصِرُ الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ: يَعْنِي إذَا كَانَ قَابِلًا لِلْقِسْمَةِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ عِنْدَهُ، وَأَنَّهُ قَالَ «فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ» وَفِيهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى عَدَمِ الشُّفْعَةِ فِي الْمَقْسُومِ وَالشَّرِيكُ فِي حَقِّ الْمَبِيعِ وَالْجَارُ حَقُّ كُلٍّ مِنْهُمَا مَقْسُومٌ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ اهـ.
أَقُولُ: فِي تَقْرِيرِهِ نَوْعُ خَلَلٍ