وَلِأَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ مَعْدُولٌ بِهِ عَنْ سُنَنِ الْقِيَاسِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَمَلُّكِ الْمَالِ عَلَى الْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ، وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ، وَهَذَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّ مُؤْنَةَ الْقِسْمَةِ تَلْزَمُهُ فِي الْأَصْلِ دُونَ الْفَرْعِ، وَلَنَا مَا رَوَيْنَا،
لِأَنَّ قَوْلَهُ وَالشَّرِيكُ فِي الْحَقِّ الْمَبِيعِ وَالْجَارُ حَقُّ كُلٍّ مِنْهُمَا مَقْسُومٌ يُنَاقِضُ أَوَّلُهُ آخِرَهُ، فَإِنَّ مَعْنَى الشَّرِيكِ فِي حَقِّ الْمَبِيعِ مَنْ لَمْ يَكُنْ حَقُّهُ مَقْسُومًا بَلْ كَانَ حَقُّ الْمَبِيعِ مُشَاعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآخَرِ، وَقَدْ حُكِمَ عَلَيْهِ بِكَوْنِ حَقِّهِ مَقْسُومًا وَذَلِكَ تَنَاقُضٌ لَا يَخْفَى، وَقَصَدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ دَفْعَ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَكُونُ حَقِّ الشَّرِيكِ فِي حَقِّ الْمَبِيعِ مَقْسُومًا؟. قُلْنَا: مُرَادُهُ حَقُّ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ الْمِلْكِ اهـ.
أَقُولُ فَحِينَئِذٍ يَخْتَلُّ تَفْرِيغُ قَوْلِهِ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ عَلَى قَوْلِهِ وَالشَّرِيكُ فِي حَقِّ الْمَبِيعِ وَالْجَارُ حَقُّ كُلٍّ مِنْهُمَا مَقْسُومٌ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ حَقِّ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ الْمِلْكِ فَقَطْ مَقْسُومًا أَنْ لَا يَثْبُتَ فِيهِ شُفْعَةٌ عَلَى مُقْتَضَى دَلَالَةِ قَوْلِهِ «فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ» فَإِنَّ دَلَالَتَهُ عَلَى عَدَمِ الشُّفْعَةِ فِي الْمَقْسُومِ مِنْ جِهَتَيْنِ مَعًا: أَيْ مِنْ جِهَةِ نَفْسِ الْمِلْكِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ " فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ " وَمِنْ جِهَةِ حَقِّ الْمَبِيعِ وَهُوَ الطَّرِيقُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ " وَصُرِفَتْ الطُّرُقُ ".
وَالْأَوْلَى فِي تَقْرِيرِ الْمَقَامِ أَنْ يُقَالَ: وَأَنَّهُ قَالَ «فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ» وَفِيهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى عَدَمِ الشُّفْعَةِ فِي الْمَقْسُومِ مِنْ جِهَةِ وُقُوعِ الْحُدُودِ وَمِنْ جِهَةِ صَرْفِ الطُّرُقِ، وَالْجَارُ الْمُلَاصِقُ حَقُّهُ مَقْسُومٌ مِنْ تِينِك الْجِهَتَيْنِ مَعًا فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ، إذْ عَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ يَقَعُ الِاخْتِلَالُ بِالْكُلِّيَّةِ وَيُطَابِقُ الشَّرْحُ الْمَشْرُوحَ، فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا شُفْعَةَ بِالْجِوَارِ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ دَلِيلًا عَلَيْهِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِغَيْرِ الْجِوَارِ. نَعَمْ طَعَنَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ فِي تَخْصِيصِهِ بِالْجِوَارِ بِالذِّكْرِ حَيْثُ قَالَ: لَيْسَ لِتَخْصِيصِ هَذَا زِيَادَةُ فَائِدَةٍ؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ كَمَا لَا يَقُولُ بِالشُّفْعَةِ بِالْجِوَارِ فَكَذَلِكَ لَا يَقُولُ بِالشُّفْعَةِ بِالشَّرِكَةِ فِي الْحُقُوقِ أَيْضًا، وَكَذَلِكَ لَا يَقُولُ بِالشُّفْعَةِ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ كَالْبِئْرِ وَالنَّهْرِ اهـ. وَلَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: وَجْهُ تَخْصِيصِهِ ذَلِكَ بِالذِّكْرِ عَدَمُ مُسَاعَدَةِ دَلِيلِ الشَّافِعِيِّ لِعَدَمِ ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ إلَّا فِي حَقِّ الْجَارِ تَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ وَهَذَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّ مُؤْنَةَ الْقِسْمَةِ تَلْزَمُهُ فِي الْأَصْلِ دُونَ الْفَرْعِ) فَسَّرَ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَصَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَالشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ الْمُشَارَ إلَيْهِ بِهَذَا فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَهَذَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ بِالْجَارِ حَيْثُ قَالُوا وَهَذَا: أَيْ الْجَارُ، وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَحْدَهُ بَعْدَ أَنْ قَالَ: أَيْ الْجَارِ: يَعْنِي شُفْعَةَ الْجَارِ، وَسَكَتَ غَيْرُ هَؤُلَاءِ الشُّرَّاحِ عَنْ تَفْسِيرِ هَذَا هُنَا، وَفَسَّرَ عَامَّتُهُمْ الْفَرْعَ فِي قَوْلِهِ دُونَ الْفَرْعِ بِالْجَارِ أَيْضًا، وَفَسَّرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بِالْمَقْسُومِ وَتَبِعَهُ الْعَيْنِيُّ وَأَجْمَعُوا عَلَى تَفْسِيرِ الْأَصْلِ بِمَا لَمْ يُقْسَمْ. أَقُولُ: الْحَقُّ الْوَاضِحُ عِنْدِي أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا وَالْفَرْعِ كِلَيْهِمَا هُوَ الْمَقْسُومُ لَا غَيْرَ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاصِلَ لَأَنْ يُقَالَ: الْجَارُ لَيْسَ فِي مَعْنَى مَا لَمْ يُقْسَمْ إذَا لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِأَنَّ الْجَارَ فِي حُكْمِ مَا لَمْ يُقْسَمْ، وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ الْمَقْسُومَ فِي حُكْمِ مَا لَمْ يُقْسَمْ إذَا وُجِدَ الِاتِّصَالُ بِمِلْكِ الْبَائِعِ، وَلَا صِحَّةَ لَأَنْ يُقَالَ الْجَارُ فَرْعٌ لِمَا لَمْ يُقْسَمْ؛ لِأَنَّ الَّذِي فِي حُكْمِ مَا لَمْ يُقْسَمْ إنَّمَا هُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute