للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَضَرَرُ الْقِسْمَةِ مَشْرُوعٌ لَا يَصْلُحُ عِلَّةً لِتَحْقِيقِ ضَرَرِ غَيْرِهِ.

مَالِكًا بِالشِّرَاءِ أَوْ الْهِبَةِ اهـ.

أَقُولُ: الْمَعْنَى الْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الدَّلِيلِ أَنَّ الضَّرَرَ فِي حَقِّهِ بِإِزْعَاجِهِ عَنْ خُطَّتِهِ الْأَصْلِيَّةِ الْمُتَقَرِّرَةِ أَقْوَى فَيَعُمُّ مَا كَانَ مِلْكًا لَهُ بِالشِّرَاءِ أَوْ الْهِبَةِ إلَّا أَنَّهُ عَبَّرَ عَنْ أَصَالَةِ خُطَّتِهِ وَتَقَرُّرِهَا بِإِضَافَتِهَا إلَى آبَائِهِ مُبَالَغَةً فِي بَيَانِ أَصَالَتِهَا وَتَقَرُّرِهَا، وَبِنَاءً عَلَى مَا هُوَ الْأَكْثَرُ وُقُوعًا فِي الْعَادَةِ، فَأَخَصِّيَّةُ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ بِالنَّظَرِ إلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ دُونَ الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ مِنْهُ فَلَا مَحْذُورَ فِيهِ (قَوْلُهُ وَضَرَرُ الْقِسْمَةِ مَشْرُوعٌ لَا يَصْلُحُ عِلَّةً لِتَحْقِيقِ ضَرَرِ غَيْرِهِ) هَذَا جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ مُؤْنَةَ الضَّرَرِ تَلْزَمُهُ فِي الْأَصْلِ دُونَ الْفَرْعِ: يَعْنِي أَنَّ التَّعْلِيلَ بِذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ مُؤْنَةَ الْقِسْمَةِ أَمْرٌ مَشْرُوعٌ لَا يَصْلُحُ عِلَّةً لِتَحْقِيقِ ضَرَرٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ وَهُوَ تَمَلُّكُ مَالِ الْغَيْرِ بِدُونِ رِضَاهُ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ.

قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ بَيَانِ ذَلِكَ: وَلَمْ يَذْكُرْ الْجَوَابَ عَنْ اسْتِدْلَالِهِ بِالْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهُ فِي حَيِّزِ التَّعَارُضِ اهـ.

أَقُولُ: هَذَا عُذْرٌ بَارِدٌ بَلْ كَاسِدٌ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْحَدِيثِ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ الْخَصْمُ فِي حَيِّزِ التَّعَارُضِ بِالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ لَا يُسَوِّغُ الِاسْتِغْنَاءَ عَنْ ذِكْرِ الْجَوَابِ، فَإِنَّ حُكْمَ التَّعَارُضِ هُوَ التَّسَاقُطُ إنْ لَمْ يَظْهَرْ الرُّجْحَانُ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، وَلَمْ يَتَيَسَّرْ الْمُخَلِّصُ الْجَامِعُ بَيْنَهُمَا عِنْدَ الطَّلَبِ كَمَا عُرِفَ فِي عِلْمِ أُصُولِ الْفِقْهِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ التَّسَاقُطِ هَاهُنَا يَلْزَمُ أَنْ لَا يَثْبُتَ مُدَّعَانَا كَمَا لَا يَثْبُتُ مُدَّعَاهُ، وَذَلِكَ يُخِلُّ بِمَطْلُوبِنَا هَاهُنَا لَا مَحَالَةَ فَلَا بُدَّ مِنْ الْجَوَابِ. إمَّا بِبَيَانِ الرُّجْحَانِ فِيمَا رَوَيْنَاهُ أَوْ بِبَيَانِ الْمُخَلِّصِ عَلَى وَفْقِ قَاعِدَةِ الْأُصُولِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: يَكْفِينَا دَلِيلُنَا الْعَقْلِيُّ عِنْدَ تَحَقُّقِ حُكْمِ التَّعَارُضِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ لَكِنْ فِيهِ مَا فِيهِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَقَدْ أَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ قَوْلَهُ «الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ» مِنْ بَابِ تَخْصِيصِ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ وَهُوَ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ مَا عَدَاهُ، وَبِأَنَّ قَوْلَهُ «فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِفَتْ الطُّرُقُ» مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ عَدَمَ الشُّفْعَةِ بِالْأَمْرَيْنِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَلَمْ تُصْرَفْ الطُّرُقُ بِأَنْ كَانَ الطَّرِيقُ وَاحِدًا تَجِبُ الشُّفْعَةُ اهـ.

أَقُولُ: فِي كُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ الْجَوَابَيْنِ نَظَرٌ. أَمَّا فِي الْأَوَّلِ وَهُوَ الَّذِي فِي الْكَافِي وَعَامَّةِ الشُّرُوحِ؛ فَلِأَنَّ مَدَارَ اسْتِدْلَالِ الشَّافِعِيِّ بِقَوْلِهِ «الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ» لَيْسَ عَلَى مُجَرَّدِ تَخْصِيصِ كَوْنِ الشُّفْعَةِ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ بِالذِّكْرِ حَتَّى يَتِمَّ الْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّ تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ مَا عَدَاهُ، بَلْ مَدَارُ اسْتِدْلَالِهِ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ اللَّامَ فِي الشُّفْعَةِ لِلْجِنْسِ لِعَدَمِ الْمَعْهُودِ فَيَقْتَضِي قَصْرَ الشُّفْعَةِ عَلَى مَا لَمْ يُقْسَمْ كَمَا فِي قَوْلِهِ «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» وَقَدْ صَرَّحُوا بِهِ فِي أَثْنَاءِ تَقْرِيرِ وَجْهِ اسْتِدْلَالِهِ بِذَلِكَ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ أَدَاةَ الْقَصْرِ تَدُلُّ عَلَى نَفْيِ مَا عَدَا الْمَذْكُورِ، فَالْأَوْلَى فِي الْجَوَابِ عَنْهُ مَا ذَكَرَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ، وَهُوَ أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ كَمَا تَدْخُلَانِ فِي الِاسْمِ لِلِاسْتِغْرَاقِ تَدْخُلَانِ فِيهِ لِلْمُبَالَغَةِ، كَمَا يُقَالُ الْعَالِمُ فِي الْبَلَدِ فُلَانٌ وَإِنْ كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>