للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا التَّرْتِيبُ فَلِقَوْلِهِ «الشَّرِيكُ أَحَقُّ مِنْ الْخَلِيطِ، وَالْخَلِيطُ أَحَقُّ مِنْ الشَّفِيعِ» فَالشَّرِيكُ فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ وَالْخَلِيطُ فِي حُقُوقِ الْمَبِيعِ وَالشَّفِيعُ هُوَ الْجَارُ.

فِيهِ عُلَمَاءٌ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يَكُونُ الْمُرَادُ بِمَا فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ أَقْوَى الْأَسْبَابِ، وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ أَقْوَى وَلِهَذَا قَدَّمْنَاهُ عَلَى غَيْرِهِ اهـ.

وَأَمَّا فِي الثَّانِي؛ فَلِأَنَّ حُصُولَ الْإِلْزَامِ لِلشَّافِعِيِّ بِقَوْلِهِ " فَإِنْ وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِفَتْ الطَّرِيقُ " عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فِي الْجَوَابِ الْمَزْبُورِ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ وَإِنْ قَالَ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ إلَّا أَنَّ لَهُ شَرَائِطَ عِنْدَهُ: مِنْهَا أَنْ لَا يَخْرُجَ الْكَلَامُ مَخْرَجَ الْعَادَةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى ﴿وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ﴾ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، فَلَهُ أَنْ يَقُولَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ إنَّ قَوْلَهُ وَصُرِفَتْ الطُّرُقُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْعَادَةِ بِكَوْنِ صَرْفِ الطُّرُقِ عِنْدَ الْقِسْمَةِ غَالِبُ الْوُقُوعِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ الطَّرِيقُ وَاحِدًا تَجِبُ الشُّفْعَةُ، وَلَئِنْ سُلِّمَ حُصُولُ الْإِلْزَامِ لَهُ بِذَلِكَ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ؛ لِأَنَّ فِيهِ اعْتِرَافًا بِكَوْنِهِ مُلْزِمًا إيَّانَا أَيْضًا، وَلَوْ كُنَّا مُلْزَمِينَ بِذَلِكَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَمَا الْفَائِدَةُ لَنَا فِي كَوْنِ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا مُلْزَمًا بِهِ، وَتِلْكَ الْمُقَدِّمَةُ إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهَا فِي الْعُلُومِ الْعَقْلِيَّةِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَعَلَى هَذَا لَمْ يَقَعْ التَّعْبِيرُ بِأَنَّهُ مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ فِي غَيْرِ كَلَامِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ. فَالْأَوْلَى فِي الْجَوَابِ عَنْ آخِرِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ. وَهُوَ قَوْلُهُ «فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ» مَا أُشِيرَ إلَيْهِ فِي الْكَافِي، وَذُكِرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الشُّرُوحِ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهُ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِ الْحَدِيثِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ الرَّاوِي فَلَا يَكُونُ حُجَّةً لِلْخَصْمِ فِي عَدَمِ اسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ لِلْجَارِ مَعَ مَا صَحَّ مِنْ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ لِلْجَارِ. وَلَئِنْ ثَبَتَ كَوْنُهُ مِنْ نَفْسِ الْحَدِيثِ فَالْمُرَادُ نَفْيُ الشُّفْعَةِ الثَّابِتَةِ بِسَبَبِ الشَّرِكَةِ عَمَلًا بِمَا رَوَيْنَاهُ: أَيْ جَمْعًا بَيْنَ ذَلِكَ الْحَدِيثِ وَبَيْنَ مَا رَوَيْنَاهُ أَوْ مَعْنَاهُ فَلَا شُفْعَةَ بِسَبَبِ الْقِسْمَةِ الْحَاصِلَةِ بِوُقُوعِ الْحُدُودِ وَصَرْفِ الطَّرِيقِ، وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لَمَّا كَانَ فِيهَا مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ كَانَتْ مَوْضِعَ أَنْ يُتَوَهَّمَ اسْتِحْقَاقُ الشُّفْعَةِ بِهَا كَالْبَيْعِ، فَبَيَّنَ النَّبِيُّ عَدَمَ ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ بِهَا إزَالَةً لِذَلِكَ الْوَهْمِ. وَأَوْرَدَ عَلَيْنَا مِنْ قِبَلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي رِوَايَةٍ «إنَّمَا الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ» وَإِنَّمَا لِإِثْبَاتِ الْمَذْكُورِ وَنَفْيِ مَا عَدَاهُ.

وَأُجِيبُ عَنْهُ بِعِبَارَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ. قَالَ فِي الْكَافِي وَالْكَافِيَةِ: وَإِنَّمَا قَدْ تَقْتَضِي تَأْكِيدَ الْمَذْكُورِ لَا نَفْيَ غَيْرِ الْمَذْكُورِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ﴾ اهـ. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَكَلِمَةُ إنَّمَا قَدْ تَجِيءُ لِلْإِثْبَاتِ بِطَرِيقِ الْكَمَالِ، كَمَا يُقَالُ إنَّمَا الْعَالِمُ فِي الْبَلَدِ زَيْدٌ: أَيْ الْكَامِلُ فِيهِ، وَالْمَشْهُورُ بِهِ زَيْدٌ وَلَمْ يَرِدْ بِهِ نَفْيَ الْعِلْمِ عَنْ غَيْرِهِ، وَهَاهُنَا كَذَلِكَ فَإِنَّ الشَّرِيكَ الَّذِي لَمْ يُقَاسِمْ هُوَ الشَّرِيكُ فِي الْبُقْعَةِ وَهُوَ كَامِلٌ فِي سَبَبِ اسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ حَتَّى لَا يُزَاحِمَهُ غَيْرُهُ فَكَانَ مَحْمُولًا عَلَى إثْبَاتِ الْمَذْكُورِ بِطَرِيقِ الْكَمَالِ دُونَ نَفْيِ غَيْرِهِ اهـ.

وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ: أَمَّا الْحَدِيثُ فَلَيْسَ فِي صَدْرِهِ نَفْيُ الشُّفْعَةِ عَنْ الْمَقْسُومِ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ إنَّمَا لَا تَقْتَضِي نَفْيَ غَيْرِ الْمَذْكُورِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ وَهَذَا لَا يَنْفِي أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ بَشَرًا مِثْلَهُمْ اهـ.

أَقُولُ: فِيمَا ذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ خَلَلٌ بَيِّنٌ، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأَدَبِ أَنَّهُ يُؤَخَّرُ الْمَقْصُورُ عَلَيْهِ فِي " إنَّمَا " وَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَى غَيْرِهِ فَالْمَقْصُورُ فِي قَوْله تَعَالَى ﴿إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ مَدْلُولٌ أَنَا وَالْمَقْصُورُ عَلَيْهِ هُوَ الْبَشَرِيَّةُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِمْ إنَّمَا لِإِثْبَاتِ الْمَذْكُورِ وَنَفْيِ غَيْرِ الْمَذْكُورِ هُوَ الْمَقْصُورُ عَلَيْهِ إذْ بِإِثْبَاتِ ذَلِكَ وَنَفْيِ غَيْرِهِ يَحْصُلُ مَعْنَى الْقَصْرِ عَلَيْهِ كَمَا لَا يَخْفَى، فَقَوْلُهُ وَهَذَا لَا يَنْفِي أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ بَشَرًا مِثْلَهُمْ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنْ لَا تَقْتَضِيَ كَلِمَةُ إنَّمَا نَفْيَ غَيْرِ الْمَذْكُورِ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُورُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُورَ عَلَيْهِ فِي قَوْله تَعَالَى ﴿إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ إنَّمَا هُوَ الْبَشَرِيَّةُ لَا غَيْرُهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ كَلِمَةَ إنَّمَا فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ لِقَصْرِ الْمُسْنَدِ إلَيْهِ عَلَى الْمُسْنَدِ دُونَ الْعَكْسِ لَا مَحَالَةَ.

وَقَوْلُهُ وَهَذَا لَا يَنْفِي أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ بَشَرًا مِثْلَهُمْ يَبْتَنِي عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ هُوَ الْعَكْسُ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ قَطْعًا (قَوْلُهُ وَأَمَّا التَّرْتِيبُ فَلِقَوْلِهِ «الشَّرِيكُ أَحَقُّ مِنْ الْخَلِيطِ، وَالْخَلِيطُ أَحَقُّ مِنْ الشَّفِيعِ»، فَالشَّرِيكُ فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ وَالْخَلِيطُ فِي حُقُوقِ الْمَبِيعِ وَالشَّفِيعُ هُوَ الْجَارُ) قَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ: فَسَّرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ الشَّرِيكَ بِمَنْ كَانَ شَرِيكًا فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ، وَالْخَلِيطَ بِمَنْ كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>