وَلِأَنَّ الِاتِّصَالَ بِالشَّرِكَةِ فِي الْمَبِيعِ أَقْوَى؛ لِأَنَّهُ فِي كُلِّ جُزْءٍ، وَبَعْدَهُ الِاتِّصَالُ فِي الْحُقُوقِ؛ لِأَنَّهُ شَرِكَةٌ فِي مَرَافِقِ الْمِلْكِ، وَالتَّرْجِيحُ يَتَحَقَّقُ بِقُوَّةِ السَّبَبِ، وَلِأَنَّ ضَرَرَ الْقِسْمَةِ إنْ لَمْ يَصْلُحْ عِلَّةً صَلَحَ مُرَجِّحًا. .
قَالَ (وَلَيْسَ لِلشَّرِيكِ فِي الطَّرِيقِ وَالشِّرْبِ وَالْجَارِ شُفْعَةٌ مَعَ الْخَلِيطِ فِي الرَّقَبَةِ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ مُقَدَّمٌ. قَالَ (فَإِنْ سُلِّمَ فَالشُّفْعَةُ لِلشَّرِيكِ فِي الطَّرِيقِ، فَإِنْ سُلِّمَ أَخَذَهَا الْجَارُ) لِمَا بَيَّنَّا مِنْ التَّرْتِيبِ، وَالْمُرَادُ بِهَذَا الْجَارُ الْمُلَاصِقُ، وَهُوَ الَّذِي عَلَى ظَهْرِ الدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ وَبَابُهُ فِي سِكَّةٍ أُخْرَى. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ مَعَ وُجُودِ الشَّرِيكِ فِي الرَّقَبَةِ لَا شُفْعَةَ لِغَيْرِهِ سَلَّمَ أَوْ اسْتَوْفَى؛ لِأَنَّهُمْ مَحْجُوبُونَ بِهِ. وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ السَّبَبَ تَقَرَّرَ فِي حَقِّ الْكُلِّ، إلَّا أَنَّ لِلشَّرِيكِ حَقُّ التَّقَدُّمِ، فَإِذَا سَلَّمَ كَانَ لِمَنْ يَلِيهِ
شَرِيكًا فِي حُقُوقِ الْمَبِيعِ وَهُمَا فِي اللُّغَةِ سَوَاءٌ اهـ.
وَاقْتَفَى أَثَرَهُ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ. أَقُولُ: إنْ كَانَ مُرَادُهُمَا مُؤَاخَذَةَ الْمُصَنِّفِ بِتَفْسِيرِهِ الْمَزْبُورِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ ظَاهِرِ لَفْظِهِمَا فَالْجَوَابُ هَيِّنٌ، فَإِنَّهُ لَمَّا وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ «الشَّرِيكُ أَحَقُّ مِنْ الْخَلِيطِ» عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّرِيكِ هُنَاكَ غَيْرُ الْخَلِيطِ، إذْ لَا مَعْنَى لِكَوْنِ الشَّيْءِ أَحَقَّ مِنْ نَفْسِهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُحْمَلَ أَحَدُهُمَا عَلَى نَوْعٍ مِمَّا أُطْلِقَ عَلَيْهِ فِي اللُّغَةِ وَالْآخَرُ عَلَى نَوْعٍ آخَرَ مِنْهُ. ثُمَّ لَمَّا كَانَتْ مَزِيَّةُ الشَّرِكَةِ فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ عَلَى الشَّرِيكِ فِي حُقُوقِ الْمَبِيعِ أَظْهَرَ وَأَجْلَى فَسَّرَ الْمُفَضَّلَ بِالْأَوَّلِ وَالْمُفَضَّلَ عَلَيْهِ بِالثَّانِي وَلَمْ يَعْكِسْ فَلَا غُبَارَ عَلَيْهِ
(قَوْلُهُ قَالَ وَلَيْسَ لِلشَّرِيكِ فِي الطَّرِيقِ وَالشُّرْبِ وَالْجَارِ شُفْعَةٌ مَعَ الْخَلِيطِ فِي الرَّقَبَةِ) أَقُولُ: لَا يُرَى لِقَوْلِهِ هَذَا فَائِدَةٌ سِوَى الْإِيضَاحِ وَالتَّأْكِيدِ بَعْدَ أَنْ قَالَ قُبَيْلَهُ الشُّفْعَةُ وَاجِبَةٌ لِلْخَلِيطِ فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ، ثُمَّ لِلْخَلِيطِ فِي حَقِّ الْمَبِيعِ كَالشُّرْبِ وَالطَّرِيقِ ثُمَّ لِلْجَارِ، فَإِنَّ ذَلِكَ كَمَا أَفَادَ ثُبُوتَ حَقِّ الشُّفْعَةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ أَفَادَ التَّرْتِيبَ أَيْضًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ. كَيْفَ لَا وَكَلِمَةُ ثُمَّ صَرِيحَةٌ فِي إفَادَةِ التَّأْخِيرِ، وَلَيْسَ لِلْمُتَأَخِّرِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ حَقٌّ عِنْدَ وُجُودِ الْمُتَقَدِّمِ فِيهِ بِلَا رَيْبٍ (قَوْلُهُ فَإِنْ سُلِّمَ فَالشُّفْعَةُ لِلشَّرِيكِ فِي الطَّرِيقِ، فَإِنْ سُلِّمَ أَخَذَهَا الْجَارُ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ التَّرْتِيبِ) أَقُولُ: تَعْلِيلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ التَّرْتِيبِ غَيْرُ تَامٍّ،؛ لِأَنَّ مَا بَيَّنَّهُ مِنْ التَّرْتِيبِ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَسْتَحِقَّ الْمُتَأَخِّرُ عِنْدَ وُجُوبِ الْمُتَقَدِّمِ وَتَسْلِيمِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمُتَأَخِّرُ مَحْجُوبًا بِالتَّقَدُّمِ كَمَا فِي الْمِيرَاثِ عَلَى مَا قَالَ بِهِ أَبُو يُوسُفَ فِي غَيْرِ ظَاهِرَةِ الرِّوَايَةِ، إذْ حِينَئِذٍ لَا يَسْتَحِقُّ الْمُتَأَخِّرُ شَيْئًا عِنْدَ وُجُودِ الْمُتَقَدِّمِ سَلَّمَ أَوْ اسْتَوْفَى مَعَ بَقَاءِ التَّرْتِيبِ عَلَى حَالِهِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ تَامًّا لَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ هَكَذَا، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْخَلِيطُ فِي الرَّقَبَةِ فَالشُّفْعَةُ لِلشَّرِيكِ فِي الطَّرِيقِ أَوْ الشُّرْبِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ هَذَا أَيْضًا أَخَذَهَا الْجَارُ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ يَقْتَضِي هَذَا الْمَعْنَى لَا مَحَالَةَ، فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَتْرُكَ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ هَاهُنَا أَوْ يَكْتَفِي بِمَا سَيَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ السَّبَبَ تَقَرَّرَ فِي حَقِّ الْكُلِّ إلَخْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute