للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْوَجْهُ فِيهِ أَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا تَجِبُ إذَا رَغِبَ الْبَائِعُ عَنْ مِلْكِ الدَّارِ، وَالْبَيْعُ يُعَرِّفُهَا وَلِهَذَا يُكْتَفَى بِثُبُوتِ الْبَيْعِ فِي حَقِّهِ حَتَّى يَأْخُذَهَا الشَّفِيعُ إذَا أَقَرَّ الْبَائِعُ بِالْبَيْعِ وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي يُكَذِّبُهُ. .

قَالَ (وَتَسْتَقِرُّ بِالْإِشْهَادِ، وَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ)؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ ضَعِيفٌ يَبْطُلُ بِالْإِعْرَاضِ، فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِشْهَادِ وَالطَّلَبِ لِيُعْلَمَ بِذَلِكَ رَغْبَتُهُ فِيهِ دُونَ إعْرَاضِهِ عَنْهُ،

أَنْ يَكُونَ عَدَمُ تَحَقُّقِ شَرْطِ الْوُجُوبِ أَيْضًا مَانِعًا عَنْ ذَلِكَ فَلَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ الْوَاجِبُ مُتَأَدِّيًا بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ لِعَدَمِ تَحْقِيقِ شَرْطِ الْوُجُوبِ قَبْلَهُ، وَكَذَا الْحَالُ فِي إسْقَاطِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ مَعَ أَنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ فِي مَوْضِعِهِ خِلَافُ ذَلِكَ.

ثُمَّ أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُجُوبِ فِي قَوْلِهِ إنَّ ذَلِكَ شَرْطُ الْوُجُوبِ هُوَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ دُونَ نَفْسِ الْوُجُوبِ، فَإِنَّ نَفْسَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ يَتَحَقَّقُ بِمِلْكِ النِّصَابِ النَّامِي، وَحَوَلَانُ الْحَوْلِ إنَّمَا هُوَ شَرْطُ وُجُوبِ أَدَائِهَا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ، وَكَذَا حُلُولُ الْأَجَلِ فِي الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ إنَّمَا هُوَ شَرْطُ وُجُوبِ أَدَائِهَا لَا شَرْطُ نَفْسِ وُجُوبِهَا، وَاللَّازِمُ أَنْ لَا يَتَحَقَّقَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ قَبْلَ الْحَوْلِ وَقَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ لَا يَكُونَ الْوَاجِبُ بِنَفْسِ الْوُجُوبِ مُتَأَدِّيًا بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ قَبْلَ حُلُولِ الْحَوْلِ وَبِأَدَاءِ الدَّيْنِ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ، وَالْمُصَرَّحُ بِهِ فِي مَوْضِعِهِ إنَّمَا هُوَ تَأَدِّي الْوَاجِبِ بِنَفْسِ الْوُجُوبِ لَا غَيْرَ.

(قَوْلُهُ وَالْوَجْهُ فِيهِ أَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا تَجِبُ إذَا رَغِبَ الْبَائِعُ مِنْ مِلْكِ الدَّارِ وَالْبَيْعِ يُعَرِّفُهَا) أَيْ يُعَرِّفُ رَغْبَةَ الْبَائِعِ عَنْ مِلْكِ الدَّارِ، وَفَسَّرَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ ضَمِيرَ فِيهِ فِي قَوْلِهِ وَالْوَجْهُ فِيهِ بِهَذَا التَّأْوِيلِ حَيْثُ قَالَ: وَالْوَجْهُ فِيهِ: أَيْ هَذَا التَّأْوِيلِ، وَتَبِعَهُ الْعَيْنِيُّ.

أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلتَّأْوِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَمَعْنَاهُ بَعْدَهُ لَا أَنَّهُ هُوَ السَّبَبُ فِي جَرَيَانِ هَذَا الْوَجْهِ، إذْ هُوَ جَارٍ بِعَيْنِهِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى كَلَامِ الْقُدُورِيِّ أَنَّ الْبَيْعَ هُوَ السَّبَبُ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ، فَلَا حَاجَةَ إلَى بِنَاءِ هَذَا الْوَجْهِ عَلَى ذَلِكَ التَّأْوِيلِ بِإِرْجَاعِ ضَمِيرِ فِيهِ إلَيْهِ، بَلْ لَا وَجْهَ لَهُ عِنْدَ التَّحْقِيقِ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ عَلَّلَ تَأْوِيلَهُ الْمَذْكُورَ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ سَبَبَهَا الِاتِّصَالُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، فَمَا مَعْنَى أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ وَالْوَجْهُ فِيهِ تَعْلِيلًا لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ؟ فَالْحَقُّ أَنَّ قَوْلَهُ وَالْوَجْهُ فِيهِ إلَخْ مُتَّصِلٌ بِأَوَّلِ الْكَلَامِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَالشُّفْعَةُ تَجِبُ بِعَقْدِ الْبَيْعِ، وَمِنْ عَادَةِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي عِبَارَةِ الْمَسْأَلَةِ عُقْدَةٌ يَحِلُّهَا ثُمَّ يَذْكُرُ دَلِيلَ الْمَسْأَلَةِ وَهَاهُنَا أَيْضًا فَعَلَ ذَلِكَ.

(قَوْلُهُ وَلِهَذَا يَكْفِي بِثُبُوتِ الْبَيْعِ فِي حَقِّهِ حَتَّى يَأْخُذَهَا الشَّفِيعُ إذَا أَقَرَّ الْبَائِعُ بِالْبَيْعِ وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي يُكَذِّبُهُ) أَقُولُ: فِيهِ تَأَمُّلٌ، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِيمَا مَرَّ أَنَّ عِلَّةَ ثُبُوتِ حَقِّ الشُّفْعَةِ عِنْدَنَا، إنَّمَا هِيَ دَفْعُ ضَرَرِ الدَّخِيلِ عَنْ الْأَصِيلِ بِسُوءِ الْمُعَامَلَةِ وَالْمُعَاشَرَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ الضَّرَرَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَ ثُبُوتِ الْبَيْعِ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ هُوَ الدَّخِيلُ لَا عِنْدَ ثُبُوتِهِ فِي حَقِّ الْبَائِعِ مَعَ تَكْذِيبِهِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ أَصِيلٌ كَالشَّفِيعِ، فَمِنْ أَيْنَ يَتَحَقَّقُ ضَرَرُ الدَّخِيلِ عِنْدَ عَدَمِ ثُبُوتِ الْبَيْعِ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي حَتَّى يَثْبُتَ حَقُّ الشُّفْعَةِ لِدَفْعِ ذَلِكَ الضَّرَرِ تَفَكَّرْ.

قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَنُوقِضَ بِمَا إذَا بَاعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُ أَوْ وَهَبَ وَسَلَّمَ فَإِنَّ الرَّغْبَةَ عَنْهُ قَدْ عُرِفَتْ وَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ.

وَأُجِيبُ بِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَرَدُّدًا لِبَقَاءِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ، بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ فَإِنَّهُ يُخْبِرُ بِهِ عَنْ انْقِطَاعِ مِلْكِهِ عَنْهُ بِالْكُلِّيَّةِ فَعُومِلَ بِهِ كَمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>