للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِعُمُومِ وِلَايَةِ الْقَاضِي، غَيْرَ أَنَّ الْحُجَّةَ قَاصِرَةٌ وَهِيَ الْإِقْرَارُ، فَمِنْ حَيْثُ الْفَسْخُ كَانَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَهُ، وَمِنْ حَيْثُ الْقُصُورُ لَا يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ إلَّا بِحُجَّةٍ، وَلَوْ كَانَ الْعَيْبُ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ وَالرَّدُّ بِغَيْرِ قَضَاءٍ بِإِقْرَارِهِ يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ مِنْ غَيْرِ خُصُومَةٍ فِي رِوَايَةٍ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ مُتَعَيَّنٌ

لِعُمُومِ وِلَايَةِ الْقَاضِي) يَعْنِي أَنَّ الرَّدَّ بِالْقَضَاءِ لَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَقْدًا مُبْتَدَأً لِفَقْدِ شَرْطِهِ وَهُوَ التَّرَاضِي؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَرُدُّهُ عَلَى كُرْهٍ مِنْهُ فَيُجْعَلُ فَسْخًا لِعُمُومِ وِلَايَةِ الْقَاضِي (غَيْرَ أَنَّ الْحُجَّةَ قَاصِرَةٌ وَهِيَ الْإِقْرَارُ) يَعْنِي لَكِنَّ الْفَسْخَ اسْتَنَدَ إلَى حُجَّةٍ قَاصِرَةٍ وَهِيَ الْإِقْرَارُ فَعَمِلْنَا بِالْجِهَتَيْنِ (فَمِنْ حَيْثُ الْفَسْخُ) أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّ الرَّدَّ بِالْقَضَاءِ فَسْخٌ (كَانَ لَهُ) أَيْ لِلْوَكِيلِ (أَنْ يُخَاصِمَ) أَيْ مَعَ الْمُوَكِّلِ (وَمِنْ حَيْثُ الْقُصُورُ فِي الْحُجَّةِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ (لَا يَلْزَمُ الْمُوَكِّلُ إلَّا بِحُجَّةٍ) أَيْ إلَّا بِإِقَامَةِ الْوَكِيلِ الْحُجَّةَ عَلَى الْمُوَكِّلِ.

قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَهَذِهِ فَائِدَةُ الْحَاجَةِ إلَى الْقَضَاءِ مَعَ الْإِقْرَارِ فَيَسْقُطُ مَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ إذَا أَقَرَّ الْوَكِيلُ بِالْعَيْبِ، لَا حَاجَةَ حِينَئِذٍ إلَى قَضَاءٍ؛ لِأَنَّهُ يَقْبَلُهُ لَا مَحَالَةَ انْتَهَى.

أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ، إذْ قَدْ عَرَفْت فِيمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ أَنَّ هَذِهِ الْفَائِدَةَ فَائِدَةٌ مُتَرَتِّبَةٌ عَلَى تَحَقُّقِ الْقَضَاءِ حَاصِلَةٌ بَعْدَ حُصُولِهِ، وَمَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ إنَّمَا هُوَ فِي أَصْلِ تَحَقُّقِ الْقَضَاءِ وَحُصُولِهِ ابْتِدَاءً، فَإِنَّهُ إذَا أَقَرَّ الْوَكِيلُ بِالْعَيْبِ لَمْ يَبْقَ هُنَاكَ حَاجَةٌ إلَى قَضَاءٍ، فَمِنْ أَيِّ وَجْهٍ يَتَحَقَّقُ الْقَضَاءُ حَتَّى تَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْفَائِدَةُ الْمَذْكُورَةُ، وَهَذَا كَلَامٌ جَيِّدٌ لَا يَسْقُطُ بِمَا تَوَهَّمَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ، فَإِنَّ لِلسَّائِلِ أَنْ يَقُولَ ثَبِّتْ الْعُرْسَ ثُمَّ اُنْقُشْ. ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ النِّهَايَةِ لَمْ يَثْبُتْ عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلِ بَلْ ذَكَرَهُ بِطَرِيقِ السُّؤَالِ، وَأَجَابَ عَنْهُ بِأَنْ قَالَ: يُمْكِنُ أَنْ يُقِرَّ الْوَكِيلُ بِالْعَيْبِ وَيَمْتَنِعَ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ الْقَبُولِ، فَقَضَاءُ الْقَاضِي كَانَ جَبْرًا عَلَيْهِ عَلَى الْقَبُولِ انْتَهَى.

وَقَدْ ذَكَرْنَا السُّؤَالَ وَالْجَوَابَ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ ذَلِكَ الْجَوَابَ جَوَابٌ حَسَنٌ وَوَجْهٌ وَجِيهٌ، فَإِنَّ فِيهِ لَمَنْدُوحَةً عَنْ التَّوْجِيهِ الَّذِي تَمَحَّلَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ خِيَارِ الْعَيْبِ فِي مَسْأَلَةِ رَدِّ الْمُشْتَرِي الثَّانِي عَلَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ بِعَيْبٍ بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِإِقْرَارٍ أَوْ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِإِبَاءِ يَمِينٍ حَيْثُ قَالَ هُنَاكَ: وَمَعْنَى الْقَضَاءِ بِالْإِقْرَارِ أَنَّهُ أَنْكَرَ الْإِقْرَارَ فَأَثْبَتَ بِالْبَيِّنَةِ انْتَهَى فَتَفَكَّرْ.

فَإِنْ قِيلَ إذَا كَانَ الرَّدُّ بِإِقْرَارِ الْوَكِيلِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهُ وِلَايَةُ الرَّدِّ عَلَى الْمُوَكِّلِ كَمَا فِي الْوَكِيلِ بِالْإِجَارَةِ، فَإِنَّهُ إذَا أَجَّرَ وَسَلَّمَ ثُمَّ طَعَنَ الْمُسْتَأْجِرُ فِيهِ بِعَيْبٍ فَقَبِلَ الْوَكِيلُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ وَلَمْ يُعْتَبَرْ إجَارَةً جَدِيدَةً فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ، فَكَذَا هَذَا. قُلْنَا: مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي إجَارَةِ الدَّارِ لَا يَصِيرُ مَقْبُوضًا بِقَبْضِ الدَّارِ، وَلِهَذَا لَوْ تَلِفَ بِانْهِدَامِ الدَّارِ كَانَ فِي ضَمَانِ الْمُؤَجِّرِ، فَيَكُونُ هَذَا مِنْ الْمَبِيعِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَبِلَهُ الْوَكِيلُ بِالْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَهُنَاكَ يَلْزَمُ الْآمِرَ فَكَذَا فِي الْإِجَارَةِ. وَقَالَ: شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: وَفِي الْكِتَابِ عَلَّلَ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ، وَقَالَ: إنَّ فَسْخَ الْإِجَارَةِ لَيْسَ بِإِجَارَةٍ فِي حَقِّ أَحَدٍ؛ لِأَنَّ عَلَى إحْدَى الطَّرِيقَتَيْنِ الْإِجَارَةُ عُقُودٌ مُتَفَرِّقَةٌ يَتَجَدَّدُ انْعِقَادُهَا بِحَسَبِ مَا يَحْدُثُ مِنْ الْمَنَافِعِ، فَبَعْدَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ يُمْتَنَعُ الِانْعِقَادُ إلَّا أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ عَقْدًا مُبْتَدَأً.

وَعَلَى الطَّرِيقَةِ الْأُخْرَى الْعَقْدُ مُنْعَقِدٌ بِاعْتِبَارِ إقَامَةِ الدَّارِ مَقَامَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَنْفَعَةُ، وَهَذَا حُكْمٌ قَدْ ثَبَتَ بِالضَّرُورَةِ فَلَا يَعْدُو مَوْضِعَهَا، وَلَا ضَرُورَةَ إلَى أَنْ يُجْعَلَ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ عَقْدًا مُبْتَدَأً لِقِيَامِ الدَّارِ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ (وَلَوْ كَانَ الْعَيْبُ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ وَالرَّدُّ بِغَيْرِ قَضَاءٍ) أَيْ وَكَانَ الرَّدُّ بِغَيْرِ قَضَاءٍ (بِإِقْرَارِهِ) أَيْ بِإِقْرَارِ الْوَكِيلِ (يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ مِنْ غَيْرِ خُصُومَةٍ فِي رِوَايَةٍ) أَيْ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْبُيُوعِ مِنْ الْأَصْلِ (لِأَنَّ الرَّدَّ مُتَعَيَّنٌ) وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا فَعَلَا غَيْرَ مَا يَفْعَلُهُ الْقَاضِي لَوْ رُفِعَ الْأَمْرُ إلَيْهِ، فَإِنَّهُمَا لَوْ رَفَعَا الْأَمْرَ إلَيْهِ فِي عَيْبٍ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ رَدَّهُ عَلَى الْوَكِيلِ وَلَا يُكَلِّفُهُ إقَامَةَ الْحُجَّةِ عَلَى ذَلِكَ وَكَانَ ذَلِكَ رَدًّا عَلَى الْمُوَكِّلِ.

قَالَ فِي الْكَافِي: فَإِذَا تَعَيَّنَ الرَّدُّ صَارَ تَسْلِيمُ الْخَصْمِ وَتَسْلِيمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>