. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فِي الْعِنَايَةِ أَقُولُ: هُنَا إشْكَالٌ، وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ عُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ آنِفًا فِي الْكِتَابِ وَالشُّرُوحِ أَنَّ الْقِسْمَةَ لَا تَعْرَى عَنْ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ وَالْإِفْرَازِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ، سَوَاءً كَانَتْ فِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ أَوْ فِي غَيْرِ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، لِأَنَّهُ مَا مِنْ جُزْءٍ مُعَيَّنٍ إلَّا وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى النَّصِيبَيْنِ فَمَا يَأْخُذُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَعْضُهُ كَانَ مِلْكَهُ لَمْ يَسْتَفِدْهُ مِنْ صَاحِبِهِ وَبَعْضُهُ الْآخَرُ كَانَ لِصَاحِبِهِ فَصَارَ لَهُ عِوَضًا عَمَّا بَقِيَ مِنْ حَقِّهِ فِي يَدِ صَاحِبِهِ، فَكَانَ الْقِسْمَةُ فِي كُلِّ صُورَةٍ بِالنَّظَرِ إلَى الْبَعْضِ الَّذِي كَانَ مِلْكَهُ إفْرَازًا وَبِالنَّظَرِ إلَى الْبَعْضِ الْآخَرِ مُبَادَلَةً، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَكَوْنُ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ
هُوَ الظَّاهِرُ فِي غَيْرِ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ كَالْحَيَوَانَاتِ وَالْعُرُوضِ غَيْرُ وَاضِحٍ، إذْ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْبَعْضَ الَّذِي يَأْخُذُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِوَضًا عَمَّا بَقِيَ مِنْ حَقِّهِ فِي يَدِ صَاحِبِهِ لَيْسَ بِمِثْلٍ بِيَقِينٍ لِمَا تَرَكَ عَلَى صَاحِبِهِ مِنْ حَقِّهِ فِي غَيْرِ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فَلَمْ يَكُنْ أَخْذُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ أَخْذِ عَيْنِ حَقِّهِ حُكْمًا فَلَمْ يَتَحَقَّقْ مَعْنَى الْإِفْرَازِ فِيهِ بِالنَّظَرِ إلَى ذَلِكَ الْبَعْضِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ لَا يَتَحَقَّقَ الْإِفْرَازُ فِيهِ بِالنَّظَرِ إلَى الْبَعْضِ الَّذِي هُوَ عَيْنُ حَقِّهِ فِي الْحَقِيقَةِ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ أَخْذَهُ هَذَا الْبَعْضَ إفْرَازٌ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ مُبَادَلَةٌ، فَقَدْ تَحَقَّقَ فِي غَيْرِ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ بِالنَّظَرِ إلَى مَا يَأْخُذُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ عَيْنِ حَقِّهِ إفْرَازٌ بِدُونِ الْمُبَادَلَةِ، وَبِالنَّظَرِ إلَى مَا يَأْخُذُهُ مِنْ نَصِيبِ صَاحِبِهِ مُبَادَلَةٌ بِدُونِ الْإِفْرَازِ فَكَانَ مَعْنَيَا الْإِفْرَازِ وَالْمُبَادَلَةِ فِيهِ مُتَسَاوِيَيْنِ، فَمِنْ أَيْنَ ثَبَتَ ظُهُورُ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ فِيهِ كَمَا ادَّعَوْهُ قَاطِبَةً، بِخِلَافِ مَا قَالُوا فِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ كَالْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ مِنْ ظُهُورِ مَعْنَى الْإِفْرَازِ فِيهَا فَإِنَّهُ وَاضِحٌ، لِأَنَّ أَخْذَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيهَا مَا هُوَ عَيْنُ حَقِّهِ مِنْ نَصِيبِهِ إفْرَازٌ بِلَا شُبْهَةٍ، وَأَخْذُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيهَا مَا هُوَ نَصِيبُ صَاحِبِهِ بِمَنْزِلَةِ أَخْذِ عَيْنِ حَقِّهِ لِكَوْنِ نَصِيبِ صَاحِبِهِ فِيهَا مِثْلُ حَقِّهِ بِيَقِينٍ.
وَأَخْذُ الْمِثْلِ بِيَقِينٍ يُجْعَلُ كَأَخْذِ الْعَيْنِ حُكْمًا كَمَا فِي الْقَرْضِ فَتَحَقَّقَ فِيهَا مَعْنَى الْإِفْرَازِ بِالنَّظَرِ إلَى الْبَعْضِ الْآخَرِ أَيْضًا فَكَانَ هُوَ الظَّاهِرُ فِيهَا وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ لَوْ قَالُوا: مَعْنَى الْإِفْرَازِ ظَاهِرٌ فِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَغَيْرُ ظَاهِرٍ فِي غَيْرِ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ بَلْ مَعْنَيَا الْإِفْرَازِ وَالْمُبَادَلَةِ سِيَّانِ فِيهِ لَكَانَ الْأَمْرُ هَيِّنًا، وَلَمَّا قَالُوا: مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ ظَاهِرٌ فِي غَيْرِ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ أَشْكَلَ ذَلِكَ كَمَا تَرَى وَذَكَرَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَجْهًا أَبْسَطَ مِمَّا ذُكِرَ فِي الْعِنَايَةِ لِظُهُورِ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ فِي غَيْرِ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ نَاقِلًا عَنْ الْمُغْنِي حَيْثُ قَالَ: وَمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ هُوَ الظَّاهِرُ فِي غَيْرِ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ كُلِّهَا، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ فَقَالَ فِي الْمُغْنِي: وَأَمَّا الْقِسْمَةُ فِي غَيْرِ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فَشَبَهُ الْمُبَادَلَةِ فِيهَا رَاجِحٌ لِأَنَّهَا إفْرَازٌ حُكْمًا مِنْ وَجْهٍ، وَمِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةُ هِيَ مُبَادَلَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَمَّا الْحَقِيقَةُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْحُكْمُ فَلِأَنَّ نِصْفَ مَا يَأْخُذُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِثْلٌ لِمَا تَرَكَ عَلَى صَاحِبِهِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ.
وَأَخْذُ الْمِثْلِ كَأَخْذِ الْعَيْنِ حُكْمًا فَكَانَ إفْرَازًا، إلَّا أَنَّ مَا يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَيْسَ بِمِثْلٍ لِمَا تَرَكَ عَلَى صَاحِبِهِ بِيَقِينٍ، لِأَنَّ الْمَقْسُومَ لَيْسَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، وَفِيمَا لَيْسَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ لَا تَثْبُتُ الْمُعَادَلَةُ بِيَقِينٍ، فَالْإِفْرَازُ مَعَ الْمُبَادَلَةِ اسْتَوَيَا فِي الْحُكْمِ ثُمَّ تَرَجَّحَتْ الْمُبَادَلَةُ بِالْحَقِيقَةِ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَيْك أَنَّ الْإِشْكَالَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ يَتَّجِهُ عَلَيْهِ مَعَ زِيَادَةٍ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى تَحَقُّقِ رُجْحَانِ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ فِيمَا يَأْخُذُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ نَصِيبِ صَاحِبِهِ عِوَضًا عَمَّا تَرَكَ عَلَى صَاحِبِهِ مِنْ حَقِّ نَفْسِهِ لَا عَلَى تَحَقُّقِ رُجْحَانِ ذَلِكَ فِي الْمَقْسُومِ كُلِّهِ، كَيْفَ وَمَا يَأْخُذُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ نَصِيبِ نَفْسِهِ لَا يُوجَدُ فِيهِ إلَّا إفْرَازٌ مَحْضٌ، لِأَنَّ مَعْنَى الْإِفْرَازِ أَنْ يَقْبِضَ عَيْنَ حَقِّهِ وَأَخْذُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصِيبَ نَفْسِهِ قَبْضٌ لِعَيْنِ حَقِّهِ لَا غَيْرُ وَالْمُدَّعِي رُجْحَانَ الْمُبَادَلَةِ فِي الْقِسْمَةِ الشَّامِلَةِ لِجَمِيعِ أَجْزَاءِ الْمَقْسُومِ فِي غَيْرِ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ مِنْ الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ، بَلْ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى رُجْحَانِ مَعْنَى الْإِفْرَازِ فِي ذَلِكَ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ أَخْذَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَيْنَ حَقِّهِ مِنْ نَصِيبِ نَفْسِهِ إفْرَازٌ مَحْضٌ، وَإِذَا كَانَ أَخْذُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصِيبَ صَاحِبِهِ أَخْذًا لِمِثْلِ مَا تَرَكَ عَلَى صَاحِبِهِ مِنْ حَقِّ نَفْسِهِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ، وَكَانَ أَخْذُ ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute