إلَّا أَنَّهَا إذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَجْبَرَ الْقَاضِي عَلَى الْقِسْمَةِ عِنْدَ طَلَبِ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْإِفْرَازِ لِتَقَارُبِ الْمَقَاصِدِ وَالْمُبَادَلَةُ مِمَّا يَجْرِي فِيهِ الْجَبْرُ كَمَا فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ، وَهَذَا لِأَنَّ أَحَدَهُمْ بِطَلَبِ الْقِسْمَةِ يَسْأَلُ الْقَاضِيَ أَنْ يَخُصَّهُ بِالِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِهِ وَيَمْنَعَ الْغَيْرَ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ، فَيَجِبَ عَلَى الْقَاضِي إجَابَتُهُ وَإِنْ كَانَتْ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً لَا يُجْبِرُ الْقَاضِي عَلَى قِسْمَتِهَا لِتَعَذُّرِ الْمُعَادَلَةِ بِاعْتِبَارِ فُحْشِ التَّفَاوُتِ فِي الْمَقَاصِدِ، وَلَوْ تَرَاضَوْا عَلَيْهَا جَازَ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ قَالَ (وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُنَصِّبَ قَاسِمًا يَرْزُقُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِيَقْسِمَ بَيْنَ النَّاسِ بِغَيْرِ أَجْرٍ) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ جِنْسِ عَمَلِ الْقَضَاءِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتِمُّ بِهِ قَطْعُ الْمُنَازَعَةِ فَأَشْبَهَ رِزْقَ الْقَاضِي، وَلِأَنَّ مَنْفَعَةَ نَصْبِ الْقَاسِمِ تَعُمُّ الْعَامَّةَ
الْمِثْلِ كَأَخْذِ الْعَيْنِ حُكْمًا فَكَانَ إفْرَازًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ كَانَ مَعْنَى الْإِفْرَازِ فِي ذَلِكَ ظَاهِرًا رَاجِحًا لِتَحَقُّقِهِ فِي جَمِيعِ أَجْزَاءِ الْمَقْسُومِ وَتَحَقُّقُ الْمُبَادَلَةِ فِي بَعْضِهَا كَمَا تَحَقَّقْته
(قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهَا إذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَجْبَرَ الْقَاضِي عَلَى الْقِسْمَةِ عِنْدَ طَلَبِ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْإِفْرَازِ لِتَقَارُبِ الْمَقَاصِدِ) هَذَا جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ يَرِدُ عَلَى قَوْلِهِ وَمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ هُوَ الظَّاهِرُ فِي الْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ بِأَنْ يُقَالَ: لَوْ كَانَ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ هُوَ الظَّاهِرُ فِي ذَلِكَ لَمَا أُجْبِرَ الْآبِي عَلَى الْقِسْمَةِ فِي غَيْرِ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، كَذَا فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ أَقُولُ: هَاهُنَا أَيْضًا إشْكَالٌ، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْإِفْرَازِ أَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْإِفْرَازِ بِالنَّظَرِ إلَى النَّصِيبِ الَّذِي يَأْخُذُهُ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ لِعَيْنِ حَقِّهِ فَلَا يُجْدِي نَفْعًا فِي دَفْعِ السُّؤَالِ، إذْ يَبْقَى الْكَلَامُ حِينَئِذٍ فِي الْإِجْبَارِ عَلَى أَخْذِ النَّصِيبِ الْآخَرِ الَّذِي يَتَحَقَّقُ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ وَيَظْهَرُ عَلَى مَا قَالُوا، وَإِنْ أُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْإِفْرَازِ بِالنَّظَرِ إلَى النَّصِيبِ الَّذِي كَانَ لِصَاحِبِهِ وَيَأْخُذُهُ عِوَضًا عَمَّا تَرَكَ عَلَى صَاحِبِهِ مِنْ حَقِّ نَفْسِهِ كَمَا هُوَ الْمُلَائِمُ لِقَوْلِهِ لِتَقَارُبِ الْمَقَاصِدِ فَذَلِكَ يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْلِ بِأَنَّ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ هُوَ الظَّاهِرُ فِي غَيْرِ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، إذْ لَا شَكَّ فِي تَحَقُّقِ مَعْنَى الْإِفْرَازِ فِيهِ بِالنَّظَرِ إلَى النَّصِيبِ الَّذِي يَأْخُذُهُ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ لِعَيْنِ حَقِّهِ وَإِذَا تَحَقَّقَ فِيهِ مَعْنَى الْإِفْرَازِ بِالنَّظَرِ إلَى النَّصِيبِ الْآخَرِ أَيْضًا كَانَ مَعْنَى الْإِفْرَازِ فِيهِ ظَاهِرًا جِدًّا، فَأَنَّى يُتَصَوَّرُ الْقَوْلُ بِأَنَّ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ هُوَ الظَّاهِرُ فِيهِ فَتَأَمَّلْ ثُمَّ أَقُولُ: لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّ فِيهِ إمْكَانَ الْمُعَادَلَةِ بَدَلَ قَوْلِهِ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْإِفْرَازِ لَكَانَ سَالِمًا عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ، وَكَانَ مُنَاسِبًا لَا مَحَالَةَ لِقَوْلِهِ لِتَعَذُّرِ الْمُعَادَلَةِ فِي تَعْلِيلِ عَدَمِ الْإِجْبَارِ عَلَى الْقِيمَةِ فِيمَا إذَا كَانَتْ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً كَمَا سَيَأْتِي تَبَصَّرْ تَقِفْ
(قَوْلُهُ وَالْمُبَادَلَةُ مِمَّا يَجْرِي فِيهِ الْجَبْرُ كَمَا فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ) يَعْنِي أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْجَبْرِ وَالْمُبَادَلَةِ لِأَنَّهَا مِمَّا يَجْرِي فِيهِ الْجَبْرُ كَمَا فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ، فَإِنَّ الْمَدْيُونَ يُجْبَرُ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ وَالدُّيُونُ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا عَلَى مَا عُرِفَ، فَصَارَ مَا يُؤَدِّي الْمَدْيُونُ بَدَلًا عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: جَرَيَان الْجَبْرِ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ لِكَوْنِ مَا أَخَذَهُ الدَّائِنُ مِنْ الْبَدَلِ مِثْلَ مَا ثَبَتَ فِي ذِمَّةِ الْمَدْيُونِ بِيَقِينٍ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ أَخْذَ مِثْلِ الْحَقِّ بِيَقِينٍ بِمَنْزِلَةِ أَخْذِ الْعَيْنِ، وَعَنْ هَذَا جَعَلُوا أَخْذَ الْمِثْلِ فِي الْقَرْضِ كَأَخْذِ الْعَيْنِ فَجَعَلُوا الْقَرْضَ لِذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْعَارِيَّةِ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، فَإِنَّ مَا يَأْخُذُهُ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ فِيهِ مِنْ نَصِيبِ الْآخَرِ لَيْسَ مِثْلَ مَا تَرَكَ عَلَيْهِ مِنْ حَقِّ نَفْسِهِ بِيَقِينٍ فَلَمْ يَكُنْ بِمَنْزِلَةِ أَخْذِ عَيْنِ الْحَقِّ، وَعَنْ هَذَا قَالُوا: إنَّ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ فِيهِ هُوَ الظَّاهِرُ، فَمِنْ ذَلِكَ نَشَأَ السُّؤَالُ الْمُقَدَّرُ وَاحْتِيجَ إلَى الْجَوَابِ الَّذِي نَحْنُ بِصَدَدِهِ، فَكَيْفَ يَتِمُّ قِيَاسُ جَرَيَانِ الْجَبْرِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى جَرَيَانِهِ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ مَعَ تَحَقُّقِ الْفَرْقِ الْوَاضِحِ بَيْنَهُمَا
(قَوْلُهُ وَلَوْ تَرَاضَوْا عَلَيْهَا جَازَ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَحِلِّ: وَلَوْ تَرَاضَوْا عَلَى ذَلِكَ جَازَ، لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِي مُخْتَلِفِ الْجِنْسِ مُبَادَلَةٌ كَالتِّجَارَةِ، وَالتَّرَاضِي فِي التِّجَارَةِ شَرْطٌ بِالنَّصِّ انْتَهَى أَقُولُ: هَذَا الشَّرْحُ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلْمَشْرُوحِ، وَلَيْسَ بِتَامٍّ فِي نَفْسِهِ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّ الْقِسْمَةَ فِي مُخْتَلِفِ الْجِنْسِ مُبَادَلَةٌ مَحْضَةٌ كَالتِّجَارَةِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ، كَيْفَ وَقَدْ تَقَرَّرَ فِيمَا مَرَّ أَنَّ الْقِسْمَةَ مُطْلَقًا لَا تَعْرَى عَنْ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ وَالْإِفْرَازِ، إلَّا أَنَّ مَعْنَى الْإِفْرَازِ هُوَ الظَّاهِرُ فِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، وَمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ هُوَ الظَّاهِرُ فِي غَيْرِهَا، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الْمُبَادَلَةَ فِي قِسْمَةِ مُخْتَلِفِ الْجِنْسِ هِيَ الظَّاهِرَةُ فَهُوَ مُسَلَّمٌ، لَكِنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ فِي قِسْمَةِ غَيْرِ مُخْتَلِفِ الْجِنْسِ مِنْ غَيْرِ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ مَعَ أَنَّ التَّرَاضِيَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِيهَا، عَلَى أَنَّ كَوْنَ التَّرَاضِي شَرْطًا فِي التِّجَارَةِ بِالنَّصِّ لَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ ذَلِكَ شَرْطًا فِي قِسْمَةِ مُخْتَلِفِ الْجِنْسِ أَيْضًا لِأَنَّ قِسْمَتَهُ لَيْسَتْ فِي مَعْنَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute