وَبِخِلَافِ الْمُشْتَرَى لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَا يَبْقَى عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ وَإِنْ لَمْ يَقْسِمْ فَلَمْ تَكُنْ الْقِسْمَةُ قَضَاءً عَلَى الْغَيْرِ قَالَ (وَإِنْ ادَّعَوْا الْمِلْكَ وَلَمْ يَذْكُرُوا كَيْفَ انْتَقَلَ إلَيْهِمْ قَسَمَهُ بَيْنَهُمْ) لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقِسْمَةِ قَضَاءٌ عَلَى الْغَيْرِ، فَإِنَّهُمْ مَا أَقَرُّوا بِالْمِلْكِ لِغَيْرِهِمْ قَالَ ﵁: هَذِهِ رِوَايَةُ كِتَابِ الْقِسْمَةِ.
(وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: أَرْضٌ ادَّعَاهَا رَجُلَانِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا فِي أَيْدِيهِمَا وَأَرَادَا الْقِسْمَةَ لَمْ يَقْسِمْهَا حَتَّى يُقِيمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُمَا) لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِهِمَا ثُمَّ قِيلَ هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ
كَمَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ بِأَسْرِهَا
(قَوْلُهُ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: أَرْضٌ ادَّعَاهَا رَجُلَانِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا فِي أَيْدِيهِمَا وَأَرَادَا الْقِسْمَةَ لَمْ يَقْسِمْهَا حَتَّى يُقِيمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُمَا لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ لِغَيْرِهِمَا) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: أَعَادَ لَفْظَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِأَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يَقْسِمُ حَتَّى يُقِيمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مَا فِي أَيْدِيهِمَا مِلْكًا لِغَيْرِهِمَا، فَإِنَّهُمَا لَمَّا لَمْ يَذْكُرَا السَّبَبَ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مِيرَاثًا فَيَكُونَ مِلْكًا لِلْغَيْرِ، وَأَنْ يَكُونَ مُشْتَرًى فَيَكُونَ مِلْكًا لَهُمَا لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ تَكُونَ الْأَمْلَاكُ فِي يَدِ مَالِكِهَا فَلَا يَقْسِمُ احْتِيَاطًا انْتَهَى أَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَى ذِي فِطْنَةٍ سَلِيمَةٍ أَنَّ قَوْلَهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ تَكُونَ الْأَمْلَاكُ فِي يَدِ مَالِكِهَا غَيْرَ مُفِيدٍ هَاهُنَا، بَلْ هُوَ مُخِلٌّ بِالْمَقَامِ لِأَنَّ ذَاكَ الْأَصْلَ: أَعْنِي كَوْنَ الْأَمْلَاكِ فِي يَدِ مَالِكِهَا يُرَجِّحُ كَوْنَ مَا فِي أَيْدِيهِمَا مِلْكًا لَهُمَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَقْسِمَ بِدُونِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، مَعَ أَنَّ جَوَابَ مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنْ لَا يَقْسِمَ بِدُونِهَا كَمَا تَرَى، فَالصَّوَابُ أَنْ يَتْرُكَ تِلْكَ الْمُقَدَّمَةَ فِي تَعْلِيلِ مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا فِي بَيَانِ وَجْهِ رِوَايَةِ كِتَابِ الْقِسْمَةِ كَمَا مَرَّتْ مِنْ قَبْلُ وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى قَوْلِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ فَإِنَّهُمَا لَمَّا لَمْ يَذْكُرَا السَّبَبَ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مِيرَاثًا إلَى آخِرِهِ حَيْثُ قَالَ: فِيهِ بَحْثٌ، بَلْ الْمُحْتَمَلُ هُنَا أَنْ لَا يَكُونَ مِلْكًا لَهُمَا لَا إرْثًا وَلَا شِرَاءً، كَيْفَ وَلَوْ كَانَ مِلْكًا لَهُمَا لَتَعَرَّضَا لَهُ، وَبِهِ يَظْهَرُ وَجْهُ التَّوْفِيقِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فَإِنَّ فِي الْأُولَى ادَّعَوْا الْمِلْكَ انْتَهَى.
أَقُولُ: يُمْكِنُ دَفْعُ ذَلِكَ بِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّ الْمُحْتَمَلَ هُنَا أَنْ لَا يَكُونَ مِلْكًا لَهُمَا أَصْلًا لَا غَيْرُ فَهُوَ مَمْنُوعٌ وَقَوْلُهُ كَيْفَ وَلَوْ كَانَ مِلْكًا لَهُمَا لَتَعَرَّضَا لَهُ غَيْرُ تَامٍّ، فَإِنَّ عَدَمَ التَّعَرُّضِ لِشَيْءٍ لَا يُنَافِي احْتِمَالَهُ فِي الْوَاقِعِ، وَإِنَّمَا يُنَافِي تَقَرُّرَهُ وَتَعَيُّنَهُ كَيْفَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمِلْكِ لَهُمَا احْتِمَالٌ أَصْلًا لَمَا جَازَ اسْتِمَاعُ الْبَيِّنَةِ لَهُ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ ذَلِكَ أَيْضًا مُحْتَمَلٌ هُنَا فَهُوَ مُسَلَّمٌ لَكِنْ لَا يَضُرُّ ذَلِكَ بِصِحَّةِ التَّعْلِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ لِأَنَّ مُجَرَّدَ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مِيرَاثًا وَأَنْ يَكُونَ مُشْتَرًى يَكْفِي فِي أَنْ لَا يَقْسِمَ بِدُونِ الْبَيِّنَةِ احْتِيَاطًا ثُمَّ إنَّ هَذَا كُلَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ اسْتِدْرَاكِ قَوْلِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ تَكُونَ الْأَمْلَاكُ فِي يَدِ مَالِكِهَا لِإِخْلَالِهِ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ آنِفًا. وَأَمَّا عَلَى تَقْدِيرِ اعْتِبَارِهِ فِي تَعْلِيلِ رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ كَمَا فَعَلَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فَيَسْقُطَ جِدًّا مَا ذَكَرَهُ ذَلِكَ الْقَائِلُ مِنْ احْتِمَالِ أَنْ لَا يَكُونَ مِلْكًا لَهُمَا أَصْلًا لِدَلَالَةِ ثُبُوتِ أَيْدِيهِمَا عَلَى أَنَّ مَا فِيهَا مِلْكٌ لَهُمَا، وَيَكُونُ سَبَبُ عَدَمِ تَعَرُّضِهِمَا لِكَوْنِهِ مِلْكًا لَهُمَا هُوَ الِاعْتِمَادُ عَلَى دَلَالَةِ ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute