فَيُعَامَلَانِ عَلَى زَعْمِهِمَا قَالَ ﵁: يَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ دَعْوَاهُ أَصْلًا لِتَنَاقُضِهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ مَنْ بَعْدُ (وَإِنْ قَالَ قَدْ اسْتَوْفَيْتُ حَقِّي وَأَخَذْتُ بَعْضَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ خَصْمِهِ مَعَ يَمِينِهِ) لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ الْغَصْبَ وَهُوَ مُنْكِرٌ (وَإِنْ قَالَ أَصَابَنِي إلَى مَوْضِعِ كَذَا فَلَمْ يُسَلِّمْهُ إلَيَّ وَلَمْ يَشْهَدْ عَلَى نَفْسِهِ بِالِاسْتِيفَاءِ وَكَذَّبَهُ شَرِيكُهُ تَحَالَفَا وَفُسِخَتْ الْقِسْمَةُ)
وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ حَيْثُ قَالَ: لَوْ صَحَّ هَذَا لَدَلَّ عَلَى وُجُوبِ تَحْلِيفِ الْمُقَرِّ لَهُ إذَا ادَّعَى الْمُقِرُّ أَنَّهُ كَذَبَ فِي إقْرَارِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا تَحْلِيفَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ انْتَهَى أَقُولُ: لَيْسَ ذَاكَ بِوَارِدٍ إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ أَنَّ حُكْمَ الْإِقْرَارِ ظُهُورُ الْمُقَرِّ بِهِ بِلَا تَصْدِيقٍ مِنْ الْمُقِرِّ لَهُ إلَّا فِي نَسَبِ الْوِلَادِ وَنَحْوِهِ، وَلَكِنْ يُرَدُّ الْإِقْرَارُ بِرَدِّ الْمُقِرِّ لَهُ، إلَّا بَعْدَ تَصْدِيقِهِ فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ حِينَئِذٍ أَصْلًا فَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَادَّعَاهُ الْمُقِرُّ أَنَّهُ كَذَبَ فِي إقْرَارِهِ إنْ كَانَ بَعْدَ تَصْدِيقِ الْمُقَرِّ لَهُ إيَّاهُ فِي إقْرَارِهِ لَا يَدُلُّ مَا ذَكَرُوا هَاهُنَا عَلَى وُجُوبِ تَحْلِيفِ الْمُقَرِّ لَهُ هُنَاكَ إذْ لَا يَتَمَشَّى فِيهِ أَنْ يُقَالَ لَوْ أَقَرَّ الْمُقَرُّ لَهُ بِكَذِبِ الْمُقِرِّ فِي إقْرَارِهِ بَعْدَ تَصْدِيقِهِ إيَّاهُ فِي إقْرَارِهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْإِقْرَارَ لَمَّا لَمْ يُرَدَّ بَعْدَ تَصْدِيقِ الْمُقَرِّ لَهُ لَمْ يَلْزَمْ الْمُقَرَّ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ بِإِقْرَارِهِ بِكَذِبِ الْمُقِرِّ فِي إقْرَارِهِ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يُرَدَّ الْإِقْرَارُ الْأَوَّلُ بِرَدِّ الْمُقَرِّ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ تَصْدِيقِهِ إيَّاهُ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الِادِّعَاءُ قَبْلَ تَصْدِيقِ الْمُقَرِّ لَهُ الْمُقِرَّ فِي إقْرَارِهِ فَلَا يَدُلُّ مَا ذَكَرُوا هَاهُنَا أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَتَمَشَّى فِيهِ أَنْ يُقَالَ: لَوْ أَقَرَّ الْمُقَرُّ لَهُ بِكَذِبِ الْمُقِرِّ فِي إقْرَارِهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ.
وَلَكِنْ لَا يَتَمَشَّى فِيهِ أَنْ يُقَالَ فَإِذَا أَنْكَرَ اُسْتُحْلِفَ كَمَا قَالُوا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، لِأَنَّهُ إذَا أَنْكَرَ ذَلِكَ كَانَ مُصَدِّقًا لَهُ فِي إقْرَارِهِ، لِأَنَّ إنْكَارَ كَذِبِهِ فِي إقْرَارِهِ يَقْتَضِي تَصْدِيقَهُ فِي إقْرَارِهِ، فَبَعْدَ ذَلِكَ لَا يَقْبَلُ الْإِقْرَارُ الرَّدَّ فَلَا فَائِدَةَ فِي اسْتِحْلَافِهِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَجِبْ تَحْلِيفُ الْمُقَرِّ لَهُ هُنَاكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ، تَأَمَّلْ فِيمَا قُلْنَا فَلَعَلَّ فِيهِ دِقَّةً. ثُمَّ أَقُولُ: لَكِنْ بَقِيَ فِيمَا ذَكَرُوا شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُمْ لِرَجَاءِ النُّكُولِ فِي قَوْلِهِمْ فَإِذَا أَنْكَرُوا اُسْتُحْلِفُوا لِرَجَاءِ النُّكُولِ إنَّمَا يَرْتَبِطُ بِمَا قَبْلَهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّ النُّكُولَ إقْرَارٌ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّهُ بَذْلٌ لَا إقْرَارَ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى مَا مَرَّ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى مُفَصَّلًا فَلَا فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا لَا يَلْزَمُ مِنْ لُزُومِ إقْرَارِهِمْ لَوْ أَقَرُّوا وُجُوبَ اسْتِحْلَافِهِمْ إذَا أَنْكَرُوا لِرَجَاءِ النُّكُولِ فَلَا يَرْتَبِطُ آخِرُ كَلَامِهِمْ بِأَوَّلِهِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ
(قَوْلُهُ قَالَ ﵁: يَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ دَعْوَاهُ أَصْلًا لِتَنَاقُضِهِ) قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ بَعْدَ نَقْلِ هَذَا عَنْ الْهِدَايَةِ: وَفِي الْمَبْسُوطِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مَا يُؤَيِّدُ هَذَا، وَقَالَ: وَجْهُ رِوَايَةِ الْمَتْنِ أَنَّهُ اعْتَمَدَ عَلَى فِعْلِ الْقَاسِمِ فِي إقْرَارِهِ بِاسْتِيفَائِهِ حَقَّهُ، ثُمَّ لَمَّا تَأَمَّلَ حَقَّ التَّأَمُّلِ ظَهَرَ الْغَلَطُ فِي فِعْلِهِ فَلَا يُؤَاخَذُ بِذَلِكَ الْإِقْرَارِ عِنْدَ ظُهُورِ الْحَقِّ انْتَهَى.
وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بَعْدَ نَقْلِ مَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ: وَفِيهِ بَحْثٌ، فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا الْإِقْرَارِ إنْ كَانَ مَانِعًا عَنْ صِحَّةِ الدَّعْوَى لَا تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ لِابْتِنَائِهِ عَلَى صِحَّةِ الدَّعْوَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَانِعًا يَنْبَغِي أَنْ يَتَحَالَفَا.
أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ لَيْسَ بِمَانِعٍ عَنْ صِحَّةِ الدَّعْوَى، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَحَالَفَا بِنَاءً عَلَى مَا حَقَّقَهُ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا دَعْوَى الْغَلَطِ فِي مِقْدَارِ الْوَاجِبِ بِالْقِسْمَةِ فَنَوْعَانِ: نَوْعٌ يُوجِبُ التَّحَالُفَ، وَنَوْعٌ لَا يُوجِبُ التَّحَالُفَ. وَاَلَّذِي يُوجِبُ التَّحَالُفَ أَنْ يَدَّعِيَ أَحَدُ الْمُتَقَاسِمَيْنِ غَلَطًا فِي مِقْدَارِ الْوَاجِبِ بِالْقِسْمَةِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَكُونُ مُدَّعِيًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute