للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ بِاسْتِحْقَاقِ بَعْضٍ شَائِعٍ ظَهَرَ شَرِيكٌ ثَالِثٌ لَهُمَا، وَالْقِسْمَةُ بِدُونِ رِضَاهُ بَاطِلَةٌ، كَمَا إذَا اُسْتُحِقَّ بَعْضٌ شَائِعٌ فِي النَّصِيبَيْنِ، وَهَذَا لِأَنَّ بِاسْتِحْقَاقِ جُزْءٍ شَائِعٍ يَنْعَدِمُ مَعْنَى الْقِسْمَةِ وَهُوَ الْإِفْرَازُ لِأَنَّهُ يُوجِبُ الرُّجُوعَ بِحِصَّتِهِ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ شَائِعًا، بِخِلَافِ الْمُعَيَّنِ.

وَلَهُمَا أَنَّ مَعْنَى الْإِفْرَازِ لَا يَنْعَدِمُ بِاسْتِحْقَاقِ جُزْءٍ شَائِعٍ فِي نَصِيبِ أَحَدِهِمَا وَلِهَذَا جَازَتْ الْقِسْمَةُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فِي الِابْتِدَاءِ بِأَنْ كَانَ النِّصْفُ الْمُقَدَّمُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ ثَالِثٍ وَالنِّصْفُ الْمُؤَخَّرُ بَيْنَهُمَا لَا شَرِكَةَ لِغَيْرِهِمَا فِيهِ فَاقْتَسَمَا عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا مَا لَهُمَا مِنْ الْمُقَدَّمِ وَرُبُعِ الْمُؤَخَّرِ يَجُوزُ فَكَذَا فِي الِانْتِهَاءِ وَصَارَ كَاسْتِحْقَاقِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ، بِخِلَافِ الشَّائِعِ فِي النَّصِيبَيْنِ لِأَنَّهُ لَوْ بَقِيَتْ الْقِسْمَةُ لَتَضَرَّرَ الثَّالِثُ بِتَفَرُّقِ نَصِيبِهِ

لَا فِي الْمُعَيَّنِ انْتَهَى. أَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ أَنَّ كَلَامَ الْقُدُورِيِّ إنْ لَمْ يَكُنْ نَصًّا فِيمَا حَمَلَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فَهُوَ ظَاهِرٌ فِيهِ بِحَيْثُ لَا يَشْتَبِهُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ فُحُولِ الْعُلَمَاءِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ بِعَيْنِهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُتَعَلِّقًا بِبَعْضٍ كَانَ الْبَعْضُ الْمَذْكُورُ فِي هَاتِيك الْمَسْأَلَةِ مُبْهَمًا فَلَا يُعْلَمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْبَعْضُ الْمُعَيَّنُ أَوْ الشَّائِعُ فَيَخْتَلُّ وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ. وَأَيْضًا لَوْ كَانَ قَوْلُهُ بِعَيْنِهِ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا كَانَ لِمُجَرَّدِ التَّأْكِيدِ بَلْ صَارَ بِمَنْزِلَةِ اللَّغْوِ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مُتَعَلِّقًا بِبَعْضٍ يَكُونُ تَأْسِيسًا مُفِيدًا لِلْمُرَادِ مُزِيلًا لِلْإِبْهَامِ فَأَنَّى هَذَا مِنْ ذَلِكَ. عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي أَمْثَالِ هَذَا التَّرْكِيبِ تَعَلُّقُ الْقَيْدِ بِالْمُضَافِ دُونَ الْمُضَافِ إلَيْهِ كَمَا بَيَّنَ فِي مَحَلِّهِ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ كَلَامَ الْقُدُورِيِّ ظَاهِرٌ فِيمَا حَمَلَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ أَنَّ الظَّاهِرَ يُوجِبُ الْحُكْمَ قَطْعًا كَالنَّصِّ عَلَى أَحَدِ مَعْنَيَيْ الْقَطْعِيِّ وَهُوَ مَا يَقْطَعُ الِاحْتِمَالَ النَّاشِئَ عَنْ دَلِيلٍ، إلَّا أَنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَهُمَا: أَيْ بَيْنَ الظَّاهِرِ وَالنَّصِّ إنَّمَا يَظْهَرُ عِنْدَ التَّعَارُضِ فَيُقَدَّمُ النَّصُّ عَلَى الظَّاهِرِ عِنْدَهُ وَلَمْ يُعَارِضْ الظَّاهِرَ هُنَا نَصٌّ فَوَجَبَ الْحُكْمُ بِمُوجِبِهِ (قَوْلُهُ لِأَبِي يُوسُفَ إنَّ بِاسْتِحْقَاقِ بَعْضٍ شَائِعٍ ظَهَرَ شَرِيكٌ ثَالِثٌ لَهُمَا وَالْقِسْمَةُ بِدُونِ رِضَاهُ بَاطِلَةٌ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي تَعْلِيلِ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ: أَعْنِي قَوْلَهُ وَالْقِسْمَةُ بِدُونِ رِضَاهُ بَاطِلَةٌ لِأَنَّ مَوْضُوعَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا تَرَاضَيَا عَلَى الْقِسْمَةِ لِأَنَّهُ اعْتَبَرَ الْقِيمَةَ فِيهَا فَلَا بُدَّ مِنْ التَّرَاضِي انْتَهَى. وَمَأْخَذُ تَعْلِيلِهِ هَذَا مَا نَقَلَهُ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ الْإِمَامِ عَلَاءِ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيِّ حَيْثُ قَالَ: وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي: وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا تَرَاضَيَا عَلَى الْقِسْمَةِ لِأَنَّهُ اعْتَبَرَ الْقِيمَةَ وَالْقِسْمَةُ بِالْقِيمَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تَصِحُّ إلَّا عَنْ تَرَاضٍ انْتَهَى. وَأَوْرَدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>