وَالتَّهَايُؤُ فِي الْخِدْمَةِ جُوِّزَ ضَرُورَةً، وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْغَلَّةِ لِإِمْكَانِ قِسْمَتِهَا لِكَوْنِهَا عَيْنًا، وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ هُوَ التَّسَامُحُ فِي الْخِدْمَةِ وَالِاسْتِقْصَاءُ فِي الِاسْتِغْلَالِ فَلَا يَتَقَاسَمَانِ (وَلَا يَجُوزُ فِي الدَّابَّتَيْنِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا) وَالْوَجْهُ مَا بَيَّنَّاهُ فِي الرُّكُوبِ (وَلَوْ كَانَ نَخْلٌ أَوْ شَجَرٌ أَوْ غَنَمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَتَهَايَئَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طَائِفَةً يَسْتَثْمِرُهَا أَوْ يَرْعَاهَا وَيَشْرَبُ أَلْبَانَهَا لَا يَجُوزُ) لِأَنَّ الْمُهَايَأَةَ فِي الْمَنَافِعِ ضَرُورَةٌ أَنَّهَا لَا تَبْقَى فَيَتَعَذَّرُ قِسْمَتُهَا، وَهَذِهِ أَعْيَانٌ بَاقِيَةٌ تَرِدُ عَلَيْهَا الْقِسْمَةُ عِنْدَ حُصُولِهَا. وَالْحِيلَةُ أَنْ يَبِيعَ حِصَّتَهُ مِنْ الْآخَرِ ثُمَّ يَشْتَرِيَ كُلَّهَا بَعْدَ مُضِيِّ نَوْبَتِهِ أَوْ يَنْتَفِعَ بِاللَّبَنِ بِمِقْدَارٍ مَعْلُومٍ اسْتِقْرَاضًا لِنَصِيبِ صَاحِبِهِ، إذْ قَرْضُ الْمُشَاعِ جَائِزٌ.
يَصِلُ إلَى الْغَلَّةِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَصِلُ إلَيْهَا فِيهِ صَاحِبُهُ فَكَانَ كَالْمُهَايَأَةِ فِي الْخِدْمَةِ. وَأَجَبْت بِأَنَّ التَّفَاوُتَ يَمْنَعُ مِنْ رُجْحَانِ مَعْنَى الْإِفْرَازِ، بِخِلَافِ الْخِدْمَةِ لِمَا بَيَّنَّا وَمِنْ وَجْهِ الْأَصَحِّ أَنَّ الْمَنَافِعَ مِنْ حَيْثُ الْخِدْمَةِ قَلَّمَا تَتَفَاوَتُ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ نَظَرٌ.
إذْ قَدْ مَرَّ فِي بَيَانِ فَوْتِ الْمُعَادَلَةِ فِي التَّهَايُؤِ فِي الْعَبْدِ الْوَاحِدِ عَلَى الِاسْتِغْلَالِ أَنَّ الِاسْتِغْلَالَ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى حَسْبِ الِاسْتِعْمَالِ. فَلَمَّا قَلَّ التَّفَاوُتُ فِي الْمَنَافِعِ مِنْ حَيْثُ الْخِدْمَةِ لَزِمَ أَنْ يَقِلَّ التَّفَاوُتُ فِي الْغَلَّةُ أَيْضًا بِالضَّرُورَةِ. فَلَمْ يَظْهَرْ وَجْهُ الْمُخَالَفَةِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ السِّرُّ فِي أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الشُّرُوحِ ذَكَرُوا مَضْمُونَ الْمُعَارَضَةِ الْمَزْبُورَةِ بِطَرِيقِ بَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ مِنْ قِبَلِ الْإِمَامَيْنِ وَعَزَوْهُ إلَى الْمَبْسُوطِ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلْجَوَابِ عَنْهُ أَصْلًا فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَالتَّهَايُؤُ فِي الْخِدْمَةِ جُوِّزَ ضَرُورَةً وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْغَلَّةِ لِإِمْكَانِ قِسْمَتِهَا لِكَوْنِهَا عَيْنًا) هَذَا جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا اعْتِبَارًا بِالتَّهَايُؤِ فِي الْمَنَافِعِ، وَبَيَانُ الضَّرُورَةِ مَا سَيَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا أَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تَبْقَى فَيَتَعَذَّرُ قِسْمَتُهَا. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: عَلَّلَ التَّهَايُؤَ فِي الْمَنَافِعِ مِنْ قَبْلُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ مِنْ حَيْثُ الْخِدْمَةِ قَلَّمَا تَتَفَاوَتُ، وَعَلَّلَهُ هَاهُنَا بِضَرُورَةِ تَعَذُّرِ الْقِسْمَةِ، وَفِي ذَلِكَ تَوَارُدُ عِلَّتَيْنِ مُسْتَقِلَّتَيْنِ عَلَى حُكْمٍ وَاحِدٍ بِالشَّخْصِ وَهُوَ بَاطِلٌ.
وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمَذْكُورَ مِنْ قِبَلِ تَتِمَّةِ هَذَا التَّعْلِيلِ، لِأَنَّ عِلَّةَ الْجَوَازِ تَعَذُّرُ الْقِسْمَةِ وَقِلَّةُ التَّفَاوُتِ جَمِيعًا، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِلَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ أَقُولُ: لَا السُّؤَالُ بِشَيْءٍ وَلَا الْجَوَابُ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْبَاطِلَ إنَّمَا هُوَ تَوَارُدُ الْعِلَّتَيْنِ الْمُسْتَقِلَّتَيْنِ عَلَى الْوَاحِدِ بِالشَّخْصِ عَلَى طَرِيقِ الِاجْتِمَاعِ لَا تَوَارُدُهُمَا عَلَيْهِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ، وَاللَّازِمُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ هُوَ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلُ، إذْ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ إيرَادِ الْعِلَلِ الْمُتَعَدِّدَةِ فِي أَمْثَالِ هَذَا الْمَقَامِ هُوَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute