وَفِي الْعَبْدِ الْوَاحِدِ وَالدَّابَّةِ الْوَاحِدَةِ لَا يَجُوزُ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ هُوَ أَنَّ النَّصِيبَيْنِ، يَتَعَاقَبَانِ فِي الِاسْتِيفَاءِ، وَالِاعْتِدَالُ ثَابِتٌ فِي الْحَالِ. وَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُ فِي الْعَقَارِ وَتَغَيُّرُهُ فِي الْحَيَوَانِ لِتَوَالِي أَسْبَابِ التَّغَيُّرِ عَلَيْهِ فَتَفُوتُ الْمُعَادَلَةُ. وَلَوْ زَادَتْ الْغَلَّةُ فِي نَوْبَةِ أَحَدِهِمَا عَلَيْهَا فِي نَوْبَةِ الْآخَرِ يَشْتَرِكَانِ فِي الزِّيَادَةِ لِيَتَحَقَّقَ التَّعْدِيلُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ التَّهَايُؤُ عَلَى الْمَنَافِعِ فَاسْتَغَلَّ أَحَدُهُمَا فِي نَوْبَتِهِ زِيَادَةً، لِأَنَّ التَّعْدِيلَ فِيمَا وَقَعَ عَلَيْهِ التَّهَايُؤُ حَاصِلٌ وَهُوَ الْمَنَافِعُ فَلَا تَضُرُّهُ زِيَادَةُ الِاسْتِغْلَالِ مِنْ بَعْدُ (وَالتَّهَايُؤُ عَلَى الِاسْتِغْلَالِ فِي الدَّارَيْنِ جَائِزٌ) أَيْضًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِمَا بَيَّنَّا، وَلَوْ فَضَلَ غَلَّةُ أَحَدِهِمَا لَا يَشْتَرِكَانِ فِيهِ بِخِلَافِ الدَّارِ الْوَاحِدَةِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الدَّارَيْنِ مَعْنَى التَّمْيِيزِ، وَالْإِفْرَازُ رَاجِحٌ لِاتِّحَادِ زَمَانِ الِاسْتِيفَاءِ، وَفِي الدَّارِ الْوَاحِدَةِ يَتَعَاقَبُ الْوُصُولُ فَاعْتُبِرَ قَرْضًا وَجُعِلَ كُلُّ وَاحِدٍ فِي نَوْبَتِهِ كَالْوَكِيلِ عَنْ صَاحِبِهِ فَلِهَذَا يَرُدُّ عَلَيْهِ حِصَّتَهُ مِنْ الْفَضْلِ، وَكَذَا يَجُوزُ فِي الْعَبْدَيْنِ عِنْدَهُمَا اعْتِبَارًا بِالتَّهَايُؤِ فِي الْمَنَافِعِ، وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِي أَعْيَانِ الرَّقِيقِ أَكْثَرُ مِنْهُ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانِ فِي الْعَبْدِ الْوَاحِدِ فَأَوْلَى أَنْ يَمْتَنِعَ الْجَوَازُ،
مِنْ حَيْثُ الْمَكَانِ فَكَيْفَ يَتِمُّ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْمُهَايَأَةَ إنْ كَانَتْ فِي الْجِنْسِ الْمُخْتَلِفِ تُعْتَبَرُ مُبَادَلَةً. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَتْ الْمُهَايَأَةُ فِي الْجِنْسِ الْمُخْتَلِفِ مُبَادَلَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَكَانَتْ الْمُهَايَأَةُ فِي الدُّورِ كَإِجَارَةِ السُّكْنَى بِالسُّكْنَى وَفِي الْعَبِيدِ كَإِجَارَةِ الْخِدْمَةِ بِالْخِدْمَةِ. وَمِثْلُ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْإِجَارَاتِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَجْمُوعُ قَوْلِهِ كَالدُّورِ وَالْعَبِيدِ مِثَالًا وَاحِدًا، فَالْمُرَادُ مِثْلُ أَنْ يَتَهَايَأَ عَلَى أَنْ يَسْكُنَ أَحَدُهُمَا الدُّورَ وَيَسْتَخْدِمَ الْآخَرُ الْعَبِيدَ لَكِنَّهُ بَعِيدٌ جِدًّا سِيَّمَا فِي مُقَابَلَةِ قَوْلِهِ مِنْ قَبْلُ كَمَا فِي الثِّيَابِ وَالْأَرَاضِي.
وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ وَقِسْمَةُ الْأَعْيَانِ اُعْتُبِرَتْ مُبَادَلَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مَمْنُوعٌ، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي صَدْرِ كِتَابِ الْقِسْمَةِ أَنَّ قِسْمَةَ الْأَعْيَانِ مُطْلَقًا لَا تُعَرَّى عَنْ مَعْنَى الْإِفْرَازِ، وَمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ إلَّا أَنَّ مَعْنَى الْإِفْرَازِ هُوَ الظَّاهِرُ فِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، وَمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ هُوَ الظَّاهِرُ فِي غَيْرِ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ الْغَيْرَ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَجْبَرَ الْقَاضِي عَلَى الْقِسْمَةِ عِنْدَ طَلَبِ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ، وَإِنْ كَانَ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً لَا يُجْبِرُ الْقَاضِي عَلَى قِسْمَتِهَا لِتَعَذُّرِ الْمُعَادَلَةِ بِاعْتِبَارِ فُحْشِ التَّفَاوُتِ فِي الْمَقَاصِدِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ بِمَا ذَكَرَ هَاهُنَا أَنَّ قِسْمَةَ الْأَعْيَانِ فِي الْجِنْسِ الْمُخْتَلِفِ اُعْتُبِرَتْ مُبَادَلَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِي الْحَقِيقَةِ فَلَا يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ فِي صَدْرِ الْكِتَابِ، لَكِنَّ فِيهِ مَا فِيهِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ النَّصِيبَيْنِ يَتَعَاقَبَانِ فِي الِاسْتِيفَاءِ وَالِاعْتِدَالُ ثَابِتٌ فِي الْحَالِ، وَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُ فِي الْعَقَارِ وَتَغَيُّرُهُ فِي الْحَيَوَانِ لِتَوَالِي أَسْبَابِ التَّغَيُّرِ عَلَيْهِ فَتَفُوتُ الْمُعَادَلَةُ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: لِأَنَّ الِاسْتِغْلَالَ إنَّمَا يَكُونُ بِالِاسْتِعْمَالِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ عَمَلَهُ فِي الزَّمَانِ الثَّانِي لَا يَكُونُ كَمَا كَانَ فِي الْأَوَّلِ، لِأَنَّ الْقُوَى الْجُسْمَانِيَّةَ مُتَنَاهِيَةٌ انْتَهَى.
أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: مُقْتَضَى هَذَا الْوَجْهِ أَنْ لَا يَجُوزَ التَّهَايُؤُ فِي الْعَبْدِ الْوَاحِدِ عَلَى نَفْسِ الْمَنَافِعِ كَمَا لَا يَجُوزُ عَلَى الِاسْتِغْلَالِ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ مَنَافِعَهُ الَّتِي هِيَ أَعْمَالُهُ لَا تَكُونُ فِي الزَّمَانِ الثَّانِي كَمَا كَانَتْ فِي الْأَوَّلِ لِتَنَاهِي الْقُوَى الْجُسْمَانِيَّةِ فَتَفُوتُ الْمُعَادَلَةُ، مَعَ أَنَّ التَّهَايُؤَ فِي الْعَبْدِ الْوَاحِدِ عَلَى مَنَافِعِهِ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ كَالتَّهَايُؤِ عَلَى مَنْفَعَةِ الْبَيْتُ الصَّغِيرِ كَمَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ فِي الْكِتَابِ. ثُمَّ أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ التَّهَايُؤَ فِي الْعَبْدِ عَلَى الْخِدْمَةِ إنَّمَا جُوِّزَ ضَرُورَةً أَنَّهَا لَا تَبْقَى فَيَتَعَذَّرُ قِسْمَتُهَا، وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْغَلَّةِ لِأَنَّهَا أَعْيَانٌ بَاقِيَةٌ تَرِدُ الْقِسْمَةُ عَلَيْهَا فَافْتَرَقَا، وَسَيَجِيءُ فِي الْكِتَابِ عَيْنُ هَذَا الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَنْفَعَةِ وَالْغَلَّةِ فَتَبَصَّرْ (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِي أَعْيَانِ الرَّقِيقِ أَكْثَرُ مِنْهُ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ فِي الْعَبْدِ الْوَاحِدِ فَأَوْلَى أَنْ يَمْتَنِعَ الْجَوَازُ) وَعُورِضَ بِأَنْ مَعْنَى الْإِفْرَازِ وَالتَّمْيِيزُ رَاجِعٌ فِي غَلَّةِ الْعَبْدَيْنِ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute